حقيقة الشرك.. و خطره الحلقة الثانية ناصر عبد الغفور

في المقال السابق كانت لنا ثلاث وقفات مع حقيقة الشرك وخطره، وبيَّنا أن الشرك نكث للعهد الذي أخذه الله علينا ونحن في عالم الذر، وأنه مخالفة للفطرة، وأنه مانع من النطق بكلمة الإخلاص عند الممات، وفي هذه الحلقة -بحول الله وقوته- نقف مع بعض الحقائق الأخرى التي تُجلي مدى عظم الشرك الذي استهان به كثير من الناس، حيث كثرت المواسم الشركية التي يدعى فيها غير الله تعالى، ويذبح فيها للأموات، ويحج إليها الناس ويمارسون عندها طقوس ما أنزل الله بها من سلطان.

4 – الشرك حائل دون التثبيت عند الموت
صح عن النبي صلى الله عليه وسلم أن الميت يفتن في قبره بسؤال الملكين نكير ومنكر وأن جوابه وتثبيته يكون بحسب إيمانه وتوحيده، وهذا طرف من حديث البراء بن عازب رضي الله عنه في وصف المؤمن عند هذه الفتنة العظيمة، قال صلى الله عليه وسلم: “..فيأتيه ملكان شديدا الانتهار فينتهرانه، ويجلسانه فيقولان له: من ربك؟ فيقول ربي الله، فيقولان له: ما دينك؟ فيقول: ديني الإسلام، فيقولان له: ما هذا الرجل الذي بعث فيكم؟ فيقول: هو رسول الله صلى الله عليه وسلم، فيقولان له: و ما عملك؟ فيقول: قرأت كتاب الله فآمنت به وصدقت، فينتهره فيقول: من ربك؟ ما دينك؟ من نبيك؟ وهي آخر فتنة تعرض على المؤمن، فذلك حين يقول الله عز وجل: {يُثَبِّتُ اللّهُ الَّذِينَ آمَنُواْ بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الآخِرَةِ} إبراهيم، فيقول: ربي الله وديني الإسلام ونبيي محمد صلى الله عليه وسلم..” صحيح الجامع:1676.
فكيف يرجو من أشرك بالله أن يوفق للجواب وأن ينال من الله تعالى الثبات؟
كيف سيقول: ربي الله من أعرض عن عبادته ودعائه وآثر دعاء غيره؟ كلما وقع في شدة لم يجد قبلة إلا القبور والأضرحة، فمنها تطلب الحاجات وتفريج الكربات وإغناء ذوي الفاقات ومعافاة أولي العاهات والبليات ..
كيف سيقول نبيي محمد صلى الله عليه وسلم من خالفه في أعظم ما دعا إليه، وارتكب أعظم ما نهى عنه؟
فإنه صلى الله عليه وسلم ما ترك ذريعة إلى الشرك إلا سدها، حتى إنه صلى الله عليه وسلم قال للذي قال له ما شاء الله وشئت، قال: “أجعلتني لله ندا، قل ما شاء الله وحده” وكان من أواخر كلامه صلى الله عليه وسلم كما روى الإمام مالك رحمه الله في الموطأ: “اللهم لا تجعل قبري وثنا يعبد، اشتد غضب الله على قوم اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد”..
كيف سيقول: ديني الإسلام من لم يستسلم حق الاستسلام بل أتى بما ينقض الإسلام؟
فإن أول ناقض من نواقض الإسلام -كما يقول العلماء- الشرك.

5- الشرك محبط للأعمال
قال تعالى: “ولقد أوحي إليك وإلى الذين من قبلك لأن أشركت ليحبطن عملك ولتكونن من الخاسرين” الزمر:65، يقول الإمام الطبري في تفسيره: “..يقول: لأن أشركت بالله شيئا يا محمد ليبطلن عملك ولا تنال به ثوابا ولا تدرك جزاء إلا جزاء من أشرك بالله.. فاحذر أن تشرك بالله شيئا فتهلك” .
وقال تعالى بعد أن ذكر عددا من أنبيائه ورسله: “ولو أشركوا لحبط عنهم ما كانوا يعملون” الأنعام:88.
فإن كان هؤلاء الصفوة الأخيار لو أشركوا -وحاشاهم- لحبطت أعمالهم فغيرهم أولى، كما قال صاحب التيسير.
فليحذر الذين يدعون الأضرحة والقبور وبأصحابها يستغيثون، ووجوههم بترابها يعفرون، وعلى أعتابها يتمرغون، وبأستارها يتعلقون ولها ينذرون ويذبحون.. ليحذر هؤلاء أن تحبط أعمالهم وهم لا يشعرون، قال تعالى: {وَقَدِمْنَا إِلَى مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاء مَّنثُوراً} الفرقان:23.
يقول الإمام ابن القيم رحمه الله: “..وأبى الله سبحانه أن يقبل من مشرك عملا أو يقبل فيه شفاعة أو يستجيب له في الآخرة دعوة أو يقيل له فيها عثرة، فإن المشرك أجهل الجاهلين بالله، حيث جعل له من خلقه ندا، وذلك غاية الجهل به” .

6- الشرك لا يغفره الله
قال تعالى: {إِنَّ اللّهَ لاَ يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَن يَشَاءُ وَمَن يُشْرِكْ بِاللّهِ فَقَدْ ضَلَّ ضَلاَلاً بَعِيداً} النساء:116.
فالشرك ليس بالأمر الهين فكل الذنوب مهما عظمت تكون في مشيئة الله جل وعلا إن شاء تجاوز وعفا وأصفح، بل إن الله تعالى قد جعل لمغفرتها أسبابا كثيرة كالحسنات الماحيات، والمصائب المكفرات، والبرزخ، ودعاء المؤمنين، وشفاعة الشافعين، وفوق ذلك كله رحمة أرحم الراحمين التي ادخرها لأهل التوحيد واليقين، بخلاف الشرك فإن صاحبه قد سد على نفسه -عياذا بالله- كل أبواب المغفرة وأغلق دونه كل أبواب الرحمة.
يقول تعالى في الحديث القدسي: “..يا ابن آدم إنك لو أتيتني بقراب الأرض خطايا، ثم لقيتني لا تشرك بي شيئا، لأتيتك بقرابها مغفرة” .
فالتوحيد أعظم أسباب المغفرة وهو الإكسير الأعظم للذنوب، فمن فقده فقد المغفرة.
ومن أهل العلم من ذهب إلى أن الشرك لا يغفر كيفما كان صغيرا أو كبيرا لعموم الآية: “{إِنَّ اللّهَ لاَ يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ} فإن أن المصدرية تؤول مع ما بعدها إشراكا بمصدر -أي شركا به- وهو هنا نكرة في سياق النفي فيعم.
والشرك الأصغر كما يكون في الألفاظ كالحلف بغير الله، فإنه يكون في الأفعال كتعليق التمائم خوفا من العين أو لبس الحلقات لدفع البلاء أو رفعه إذا اعتقد صاحبها أنها مجرد أسباب، أما إذا اعتقد أنها تأثر بنفسها فقد أشرك بالله شركا أكبر.
وكيفما كان الحال يجب الحذر كل الحذر من الشرك مطلقا، صغيره وكبيره..
يتبع بإذن الله

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *