«إن لله تسعة وتسعين اسما من أحصاها دخل الجنة» اسم الله السميع (تتمة) ناصر عبد الغفور الحلقة: 61

تتمة المعنى في حق الله عز وجل
يقول ابن منظور رحمه الله تعالى: «والسميع من صفاته عز وجل وأَسمائه، لا يَعْزُبُ عن إِدْراكِه مسموع وإِن خفي، فهو يسمع بغير جارحة(1)، وفَعِيلٌ من أَبْنِيةِ المُبالغة، وفي التنزيل: {وكان الله سميعاً بصيراً}، وهو الذي وَسِعَ سَمْعُه كل شيء كما قال النبي صلى الله عليه وسلم؛ قال الله تعالى: {قد سمع الله قول التي تجادلك في زوجها}، وقال في موضع آخر: {أَم يحسبون أَنَّا لا نسمع سرهم ونجواهم بلى}، قال الأَزهري: والعجب من قوم فسَّروا السميعَ بمعنى المُسْمِع، فِراراً من وصف الله بأَن له سَمْعاً وقد ذكر الله الفعل في غير موضع من كتابه فهو سَمِيعٌ ذو سَمْعٍ بلا تَكيِيفٍ ولا تشبيه بالسمع من خلقه، ولا سَمْعُه كسَمْعِ خلقه، ونحن نصف الله بما وصف به نفسه بلا تحديد ولا تكييف، قال: ولست أُنكر في كلام العرب أَن يكون السميع سامِعاً ويكون مُسْمِعاً وقد قال عمرو بن معد يكرب:
أَمِنْ رَيْحانةَ الدَّاعِي السَّمِيعُ ***يُؤَرِّقُني وأَصحابي هُجُوعُ؟
فهو في هذا البيت بمعنى المُسْمِعِ، وهو شاذّ، والظاهر الأَكثر من كلام العرب أَن يكون السميعُ بمعنى السامِعِ مثل علِيمٍ وعالِم وقدِير وقادِر»(2).
يقول الإمام القيم ابن القيم رحمه الله في نونيته:
وهو السميـع يـرى ويسمع كـل مـا ***في الكون من سر ومن إعلان
ولكـل صـوت منـه سمـع حـاضــر **فالـسـر والإعـلان مسـتـويــان
والسمـع منـه واسـع الأصــوات لا **يخفـى عليـه بعـيـدهـا والدانـي
فمعنى السميع كما يقول العلامة محمد خليل هراس رحمه الله تعالى: «المدرك لجميع الأصوات، سرها وعلنها، فلا يخفى عليه شيء منها مهما خفت، بل جميع الأصوات بالنسبة إلى سمعه سواء، كما أن بعيدها والداني -أي القريب- سواء، فسمعه سبحانه حاضر عند كل صوت منها، لا تشتبه عليه، ولا يختلط بعضها ببعض، ولا يتميز بعضها عن بعض بوضوح أو خفاء»(3).
أنواع السمع المضاف إلى الله سبحانه وتعالى
للسمع أربعة معاني، لكن لا يليق بالله تعالى منها إلا اثنتان.
يقول ابن القيم رحمه الله في كتابه بدائع الفوائد:
«فعل السمع يراد به أربعة معان:
أحدها: سمع إدراك ومتعلقه الأصوات.
الثاني: سمع فهم وعقل ومتعلقه المعاني.
الثالث: سمع إجابة وإعطاء ما سئل.
الرابع: سمع قبول وانقياد.
فمن الأول: {قد سمع الله قول التي تجادلك في زوجها} المجادلة: 1، {لقد سمع الله قول الذين قالوا..} آل عمران: 181.
ومن الثاني قوله: {لا تقولوا راعنا وقولوا انظرنا واسمعوا} البقرة: 104، ليس المراد سمع مجرد الكلام بل سمع الفهم والعقل، ومنه سمعنا وأطعنا.
ومن الثالث: «سمع الله لمن حمده»، وفي الدعاء المأثور: «اللهم اسمع» أي أجب وأعط ما سألتك.
ومن الرابع: قوله تعالى {سماعون للكذب} المائدة: 41، أي قابلون له ومنقادون غير منكرين له.
ومنه على أصح القولين {وفيكم سماعون لهم} التوبة: 47، أي قابلون ومنقادون، وإذا عرف هذا فسمع الإدراك يتعدى بنفسه، وسمع القبول يتعدى باللام تارة وبمن أخرى، وهذا بحسب المعنى، فإذا كان السياق يقتضي القبول عدي بمن، وإذا كان يقتضي الانقياد عدي باللام، وأما سمع الإجابة فيتعدى باللام نحو «سمع الله لمن حمده»، لتضمنه معنى استجاب له، ولا حذف هناك وإنما هو مضمن، وأما سمع الفهم فيتعدى بنفسه لأن مضمونه يتعدى بنفسه»(4).
أما في حق الله تعالى فالسمع يأتي بمعنيين.
يقول ابن القيم رحمه الله: «وسمعه تعالى نوعان:
أحدهما: سمعه لجميع الأصوات الظاهرة والباطنة الخفية والجلية، وإحاطته التامة بها.
والثاني: سمع الإجابة منه للسائلين والداعين والعابدين فيجيبهم ويثيبهم، ومنه قوله تعالى: {إن ربي لسميع الدعاء} إبراهيم: 39، وقول المصلي: سمع الله لمن حمده، أي استجاب»(5).
يقول العلامة السعدي رحمه الله: «سمع الله تعالى نوعان:
– إدراك الأصوات، وهذا يتعلق بالمسموعات، وهو «سمعه لجميع الأصوات الظاهرة والباطنة، الخفية والجلية، وإحاطته التامة بها».
– الاستجابة، أي سمع إجابة منه سبحانه وتعالى للسائلين والداعين والعابدين، فيثيبهم ويعطيهم ما يسألون، كما قال تعالى على لسان الخليل إبراهيم عليه وعلى نبينا أفضل الصلاة والتسليم: {إن ربي لسميع الدعاء}»(6).
والسمع الذي بمعنى إدراك الأصوات ينقسم إلى ثلاثة أقسام:
فيأتي بمعنى التهديد، والتأييد، والإحاطة.
1- أما ما يقصد به التهديد فكقوله تعالى: {أم يحسبون أنا لا نسمع سرهم ونجواهم} الزخرف: 80، وقوله تعالى: {لقد سمع الله قول الذين قالوا إن الله فقير ونحن أغنياء} آل عمران: 181.
2- وأما ما يقصد به التأييد، فكقوله تعالى لموسى وهارون: {لا تخافا إنني معكما أسمع وأرى} طه: 46، أراد الله عز وجل أن يؤيد موسى وهارون بذكر كونه معهما يسمع ويرى، أي يسمع ما يقولان وما يقال لهما.
3- وأما ما يقصد به بيان الإحاطة، فمثل: {قد سمع الله قول التي تجادلك في زوجها وتشتكي إلى الله}(7).
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1)- إن كان مراده بالجارحة صفة الأذن، فهي صفة لم يدل دليل على ثبوتها أو نفيها، فوجب التوقف فيها، وسيأتي مزيد بيان عند ذكر الآثار إن شاء العلي الغفار.
(2)- لسان العرب، مادة سمع (8/162).
(3)- شرح القصيدة النونية المسماة «الكافية الشافية في الانتصار للفرقة الناجية» (2/456-457).
(4)- بدائع الفوائد (2/308)، مكتبة نزار مصطفى الباز، مكة المكرمة.
(5)- تفسير أسماء الله الحسنى.
(6)- تفسير أسماء الله الحسنى، للعلامة عبد الرحمن بن ناصر السعدي، جمع وتحقيق: د. عبيد بن علي العيد.
(7)- شرح العقيدة الواسطية، ص: 273، للشيخ ابن عثيمين رحمه الله تعالى، مؤسسة الرسالة.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *