“إن لله تسعة وتسعين اسما من أحصاها دخل الجنة” أسماء الله تعالى العليم، عالم الغيب وعلام الغيوب الحلقة الخمسون ناصر عبد الغفور

(تتمة) ومن الفروق بين صفة العلم لله تعالى وصفة العلم للمخلوق:
ج- علم الله تعالى واسع لا نهاية له، كما جل شأنه على لسان ملائكته: “رَبَّنَا وَسِعْتَ كُلَّ شَيْءٍ رَّحْمَةً وَعِلْماً..” غافر:7، وقال تعالى: “وَأَنَّ اللَّهَ قَدْ أَحَاطَ بِكُلِّ شَيْءٍ عِلْماً” الطلاق:12.
وأما علم المخلوق فمحدود، إن علم شيئا غابت عنه أشياء، قال تعالى: “وَمَا أُوتِيتُم مِّن الْعِلْمِ إِلاَّ قَلِيلاً” الإسراء:85، وفي قصة الخضر مع موسى عليهما الصلاة والسلام: “فلما ركبا في السفينة جاء عصفور فوقع على حرف السفينة، فنقر في البحر نقرة أو 1نقرتين، قال له الخضر: يا موسى، ما نقص علمي وعلمك من علم الله إلا مثل ما نقص هذا العصفور بمنقاره من البحر..” .
يقول الإمام الخطابي رحمه الله تعالى: (والآدميون -و إن كانوا يوصفون بالعلم- فإن ذلك ينصرف منهم إلى نوع من المعلومات دون نوع، وقد يوجد ذلك منهم في حال دون حال، وقد تعترضهم الآفات فيخلف علمهم الجهل، ويعقب ذكرهم النسيان، وقد نجد الواحد منهم عالما بالفقه غير عالم بالنحو، وعالما بهما غير عالم بالحساب والطب ونحوهما من الأمور، وعلم الله سبحانه علم حقيقة 2وكمال، “قَدْ أَحَاطَ بِكُلِّ شَيْءٍ عِلْماً”، “وَأَحْصَى كُلَّ شَيْءٍ عَدَداً”) .
فالله جل وعلا ليس كمثله شيء في علمه، والخلق مهما بلغوا من العلم فيبقى علمهم قاصر ناقص فقد “يعلمون شيئا ويجهلون أشياء، يعلمون جانبا من الأمور ولكن لا يحيطون بشيء علما، وإذا علموا الظاهر لا يعلمون الباطن، وإذا علموا العلن لا يعلمون السر، وإذا علموا الحاضر لا يعلمون المستقبل ولا يدركون الغيب، وإذا علموا لا يعلمون إلا بحياة بعد موت وبعلم بعد جهل، فإذا 3كثرت علومهم تزاحمت عليهم العلوم فنسوا منها لضعف ذاكرتهم.. وهم بعد ذلك كله لم يؤتوا من العلم إلا قليلا” .

3- سعة علم الله تعالى:
هذه المسألة قد سبقت الإشارة إليها في معرض الكلام عن الفروق بين علم الله تعالى وعلم المخلوق، لكن لأهميتها لا بأس أن نقف معها بشيء من التفصيل:
قال تعالى: “إِنَّمَا إِلَهُكُمُ اللَّهُ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ وَسِعَ كُلَّ شَيْءٍ عِلْماً” طه:98، فأخبر سبحانه في هذه الآية وغيرها أن علمه واسع شامل، وسعة علمه سبحانه تتجلى في عدة أمور، منها:
أ- علمه بما كان وبما يكون وبما لم يكن كيف لو كان سيكون:
فمن الأول قوله تعالى: “كَذَلِكَ نَقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنبَاء مَا قَدْ سَبَقَ” طه:99، وقوله: “عِلْمُهَا عِندَ رَبِّي فِي كِتَابٍ” طه:52، ومن الثانية، قوله تعالى عن أهل النار -عياذا بالله-: “كُلَّمَا أَرَادُوا أَن يَخْرُجُوا مِنْهَا مِنْ غَمٍّ أُعِيدُوا فِيهَا” الحج:22، ومن الثالثة، قوله تعالى: “وَلَوْ رُدُّواْ لَعَادُواْ لِمَا نُهُواْ عَنْهُ وَإِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ” الأنعام:28.
فكما أن علمه سبحانه محيط بالعالم العلوي والسفلي فهو يعلم ما كان في الماضي وما يكون في المستقبل اللانهائي ويعلم ما لم يكن كيف وعلى أي حال -إن كان- يكون.
وقد أنكر كون الله تعالى يعلم المستقبل غلاة القدرية4 الذين زعموا أن الله لا يعلم الفعل حتى يقع وأن الأمر أنف.
“والأمر أنف أي مستأنف لم يسبق به قدر ولا علم من الله تعالى، وإنما يعلمه الله بعد وقوعه، أي أن الله أمر العباد ونهاهم وهو لا يعلم من يطيعه ممن يعصيه ولا من يدخل الجنة ممن يدخل النار5 حتى فعلوا ذلك، فعلمه بعد ما فعلوه” .
و”أول من نادى بعقيدة القدرية معبد الجهني في أواخر أيام الصحابة رضي الله عنهم فنفى علم الله السابق وكتابه ومشيئته العامة، وصرح بأن الله لم يعلم المقادير إلا بعد وقوعها فضلا عن أن يكتبها أو يشاء، بل العباد يستأنفون أعمالهم من عند أنفسهم أي 7يعملونها دون علم من الله بتلك الأعمال، إلا بعد أن يحدثها العباد..” .
قال الإمام أبو جعفر الطحاوي رحمه الله تعالى: “وعلى العبد أن يعلم أن الله قد سبق علمه في كل كائن من خلقه..”.
قال العلامة ابن أبي العز الحنفي رحمه الله تعالى: “وأنكر غلاة المعتزلة أن الله كان عالما في الأزل، وقالوا: إن الله تعالى لا يعلم أفعال العباد حتى يفعلوه، تعالى الله عما يقولون علوا كبيرا، قال الإمام الشافعي رضي الله عنه: “ناظروا القدرية بالعلم، فإن أقروا به خصموا وإن أنكروا كفروا 8″، فإن الله تعالى يعلم أن هذا مستطيع يفعل ما استطاعه فيثيبه، وهذا مستطيع لا يفعل ما استطاعه فيعذبه9 ، فإنما يعذبه لأنه لا يفعل مع القدرة، وقد علم الله ذلك منه، ومن لا يستطيع لا يأمره ولا يعذبه على ما لم 10يستطعه” .
————–
1 – صحيح البخاري، كتاب أحاديث الأنبياء، باب حديث الخضر مع موسى عليهما السلام (ح رقم:3401).
2 – شأن الدعاء (ص:57)، نقلا من النهج الأسمى للشيخ محمد النجدي.
3 – النور الأسنى في شرح أسماء الله الحسنى، للشيخ أمين الأنصاري، (ص:359) الدار العالمية.
4 – ونفاة العلم هم غلاة القدرية وهؤلاء انقرضوا كما ذكر كثير من أهل العلم، وقد حكى الإمام النووي رحمه الله تعالى عن بعضهم: “وقد انقرضت القدرية القائلون بهذا القول الشنيع الباطل ولم يبق أحد من أهل القبلة عليه” شرح صحيح مسلم (1/137)، دار الفكر.
5 – يقول الإمام الطحاوي رحمه الله تعالى في عقيدته: “وقد علم الله تعالى فيما لم يزل عدد من يدخل الجنة، وعدد من يدخل النار، جملة واحدة، فلا يزاد في ذلك العدد ولا ينقص منه، وكذلك أفعالهم فيما علم منهم أن يفعلوه”، وعن علي رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: “ما من نفس منفوسة إلا وقد كتب الله مكانها من الجنة والنار، وإلا قد كتبت شقية أو سعيدة” جزء من حديث أخرجه الشيخان في صحيحيهما.
6 – النهج الأسمى في شرح أسماء الله الحسنى (ص:155).
7 – انظر العقيدة الإسلامية وتاريخها للدكتور محمد أمان الجامي رحمه الله تعالى.
8 – أي أن هؤلاء القدرية إذا أقروا بالعلم وأثبتوا صفة العلم لله تعالى على ما يليق به، وأنه يعلم الغيب كما يعلم الشهادة، ويعلم المستقبل كما يعلم الماضي، خصموا وتبين بطلان قولهم، وإن أنكروا اتصاف الله تعالى بصفة العلم الكامل الشامل كفروا لأنهم بذلك يكونون مكذبين للقرآن، فإن الله عز وجل يقول فيه: “إِنَّ اللّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ”، ولفظ إن كما هو معلوم يفيد التوكيد.
9 – الأولى أن يقال يستحق العذاب، فإن ترك الأمر متوعد صاحبه بالعذاب لكن يظل تحت مشيئة الله تعالى إن شاء عذبه وإن شاء غفر له، والله أعلم.
10- شرح العقيدة الطحاوية (ص:271)، المكتب الإسلامي.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *