روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «ما من أيام أحب إلى الله أن يتعبد له فيها من عشر ذي الحجة، يعدل صيام كل يوم منها بصيام سنة، وقيام كل ليلة منها بقيام ليلة القدر».
أخرجه الترمذي (758) وابن ماجه (1728) وغيرهما من طريق مسعود بن واصل عن نهاس بن قهم عن قتادة عن سعيد بن المسيب عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم.
* مسعود بن واصل: قال فيه أبو داود: ليس بذاك، وضعفه أبو داود الطيالسي (انظر ترجمته في تهذيب التهذيب).
* والنهاس بن قهم: قال فيه أحمد بن حنبل: قاص، وكان يحيى بن سعيد يضعف حديثه.
وقال فيه يحيى ين معين وأبو حاتم الرازي: ليس بشيء.
وقال أبو داود: ليس بذاك.
وقال النسائي: ضعيف.
وقال أبو أحمد ابن عدي: وأحاديثه مما يتفرد به عن الثقات ولا يتابع عليه.
وقال ابن حبان: كان يروى المناكير عن المشاهير، ويخالف الثقات، لا يجوز الاحتجاج به.
وقال الدارقطني: مضطرب الحديث، تركه يحيى القطان (انظر ترجمته في تهذيب التهذيب).
فالحديث ضعيف بسبب هذين الرجلين الضعيفين، ولذلك قال الترمذي عقبه: “هذا حديث غريب، لا نعرفه إلا من حديث مسعود بن واصل عن النهاس، قال وسألت محمدا (يعني البخاري) عن هذا الحديث فلم يعرفه من غير هذا الوجه مثل هذا، وقال: قد روي عن قتادة عن سعيد بن المسيب عن النبي صلى الله عليه وسلم مرسلا شيء من هذا، وقد تكلم يحيى بن سعيد في نهاس بن قهم من قبل حفظه”.
ويٌغني عن هذا الحديث الضعيف:
1. قوله صلى الله عليه وسلم: «مَا مِنْ أَيَّامٍ الْعَمَلُ الصَّالِحُ فِيهَا أَحَبُّ إِلَى الله مِنْ هَذِهِ الأَيَّامِ» -يَعْنِى أَيَّامَ الْعَشْرِ- قَالُوا: يَا رَسُولَ الله! وَلاَ الْجِهَادُ فِى سَبِيلِ الله؟ قَالَ: «وَلاَ الْجِهَادُ فِى سَبِيلِ الله، إِلاَّ رَجُلٌ خَرَجَ بِنَفْسِهِ وَمَالِهِ فَلَمْ يَرْجِعْ مِنْ ذَلِكَ بشيء» [أخرجه البخاري (969) من حديث ابن عباس رضي الله عنهما، وهذا لفظ أبي داود (2440)].
2. وقوله صلى الله عليه وسلم: «صِيَامُ يَوْمِ عَرَفَةَ أَحْتَسِبُ عَلَى اللهِ أَنْ يُكَفِّرَ السَّنَةَ الَّتِي قَبْلَهُ، وَالسَّنَةَ الَّتِي بَعْدَهُ» [رواه مسلم (1162)].
3. وحديث هُنَيْدَةَ بْنِ خَالِدٍ عَنِ امْرَأَتِهِ قَالَتْ حَدَّثَتْنِي بَعْضُ نِسَاءِ النَّبِي صلى الله عليه وسلم أَنَّ النَّبِي صلى الله عليه وسلم كَانَ يَصُومُ يَوْمَ عَاشُورَاء،َ وَتِسْعًا مِنْ ذي الْحِجَّةِ، وَثَلاَثَةَ أَيَّامٍ مِنَ الشَّهْرِ: أَوَّلَ اثْنَيْنِ مِنَ الشَّهْرِ وَخَمِيسَيْنِ [أخرجه أبو داود (2439)، والنسائي(2417) واللفظ له، وصححه الألباني].
ولم يَرِد شيءٌ ثابت عن النبي صلى الله عليه وسلم في تخصيص ليالي عشر ذي الحجة بقيام، وإنما على المسلم أن يجتهد في أعمال البِرِّ عموما رجاء بركة هذه الأيام، من غير تخصيص لها بعمل لم يَرِدْ عن النبي صلى الله عليه وسلم تخصيصُها به.
وَلْيُشَمِّر كُلُّ مسلم عن ساعد الجد في التقرب إلى مولاه بكل طريق مشروع، وليبتغ إليه الوسيلة بكل سبيل غير ممنوع، فإن هذه الأيامَ العشر غنيمةٌ وفرصة لا تعوض، مَنَّ الله علينا بها في آخر كل عام، وها هي ذي السنة الهجرية قد آن أوانُ انصرامها، واقترب موعد رحيلها، ولم يبق منها إلا أيامٌ معدودات فتفارقنا إلى غير رجعة، فشهرُنا هذا هو آخر عهدنا بهذه السنة في الدنيا، ولنا معها لقاء في الآخرة لِنُجَازَى على ما أودعناه فيها من خير أو شر.
فطوبى لمن اغتنم الفرصة، وملأ الجِراب (الوعاء الذي يجعل فيه المسافر زاده) بزاد يكفيه لطول الرحلة، ويا حسرة من ضَيَّعَ مِنْ عُمْرِه الأيام والليالي، واتبع الشهوات والأماني، حتى إذا جاء الناس يوم القيامة بحسنات كأمثال الجبال، لم يأت هو بشيء ذي بال.
فالبِدَارَ البِدَارَ، والجِدَّ الجِدَّ، فإنما هي حياةٌ واحدةٌ نُبْتَلى فيها،