القارئ الرابع: ابن عامر الدمشقي

في الحلقة الماضية عرَّفنا بمولد ابن عامر ومواقفه وثناء الناس عليه، وفي هذه الحلقة سنتعرض إلى شيوخه وإسناد قراءته.
شيوخه وإسناد قراءته
قال ابن الجزري: “قد ورد في إسناده تسعة أقوال1 أصحها أنه قرأ على المغيرة، الثاني: أنه قرأ على أبي الدرداء وهو غير بعيد، فقد أثبته أبو عمرو الداني، الثالث: أنه قرأ على فضالة بن عبيد (الصحابي) وهو جيد، الرابعة: سمع قراءة عثمان وهو محتمل، الخامس: أنه قرأ عليه بعض القرءان ويمكن، السادس: أنه قرأ على واثلة بن الأسقع ولا يمتنع، السابعة: أنه قرأ على عثمان جميع القرآن وهو بعيد ولا يثبت، الثامنة: أنه قرأ على معاوية ولا يصح، التاسع: أنه قرأ على معاذ وهو رواه، وأما قول من قال أنه لا يدرى على من قرأ فإن ذلك قول ساقط أقل من أنه ينتدب للرد عليه، وقد استبعد أبو عبد الله الحافظ قراءته على أبي الدرداء، ولا أعلم لاستبعاده وجها ولا سيما وقد قطع به غير واحد من الأئمة واعتمده دون غيره الحافظ أبو عمرو الداني…”2 اهـ.
قلت: قراءته على المغيرة بن أبي شهاب المخزومي عن عثمان صحيحة قرأ بها بن مجاهد3 ومن طريقه الداني في رواية هشام.
وأما قراءته على عثمان مباشرة فقد رواه ابن مجاهد ومن طريقه الداني4 والأهوازي5 عن الوليد بن مسلم أنه حدثه عن يحيى بن الحارث الدماري عن عبد الله بن عامر أنه قرأ على عثمان6 وهذا وإن رواه ابن مجاهد فإن ظاهر كلامه يومئ إلى أنه ليس بالمعتمد، فإنه ساق قراءة ابن عامر بإسناد آخر من طريق عراك بن خالد عن يحيى بن الحارث الدماري عن ابن عامر بقراءته على المغيرة على عثمان قبل هذا، وقال هذا أصح. اهـ
وقال الداني في قراءة ابن عامر على عثمان ليس بصحيح7، وكذا قال الذهبي8 إلا أنه لم يستبعد ذلك إذ قال لعل والده حج به فتهيأ له ذلك، وقيل قرأ عليه نصف القرآن ولم يصح9.
وقد طعن ابن جرير الطبري في قراءة ابن عامر على عثمان مطلقا لا عنه مباشرة ولا عن المغيرة عنه، بل ولا عن أحد من الصحابة، وقال هذا غير معروف لا نعلم أحدا ادعى أنه قرأ على عثمان ولو كان سبيله في الانتصاب لأخذ القرآن كان لا شك قد شارك المغيرة في القراءة عليه غيره، وفي عدم مدعي ذلك دليل واضح على قول من أضاف قراءة ابن عامر إلى المغيرة والذي حكى ذلك رجل مجهول لا يعرف بالنقل ولا بالقرآن، يقال له عراك بن خالد ذكره عنه هشام بن عمار ولا نعلم أحدا روى عنه غير هشام10، وقد تعقب ابن جرير في قوله هذا الإمام الداني والشاطبي والذهبي والسخاوي وحكموا على قوله هذا بالسقوط وبينوا أنه قد قرأ على عثمان غير المغيرة كأبي عبد الرحمن السلمي وأبي الأسود الدؤلي وزر.
قلت: وأما طعنه في عراك بن خالد ورميه بالجهالة ففيه نوع مبالغة، كيف يكون مجهولا وقد روى عنه جم غفير ووثقه دحيم والدارقطني؟
نعم الرجل ليس بالقوي في الحديث وعنده اضطراب وربما أغرب وخالف لكنه في القراءة معتمد، فقد قال أبو علي أحمد بن محمد الأصبهاني المقرئ عنه: عراك بن خالد من المشهورين عند أهل الشام بالقراءة والأخذ عن يحيى بن الحارث وعن أبيه خالد وعن غيره بالضبط عنهم11.
فها هو ذا مقرئ مثله يزكيه ويصفه بالضبط، ولعل جهل ابن جرير هو دعاه إلى تجهيله اللهم إلا إن قصد ابن جرير بجهالته جهالته في القراءة، بمعنى أنه لم يرو عنه القراءة غير هشام بن عمار وهذا أيضا غير مسلم به فقد شاركه في الرواية عنه والسماع عبد الله بن ذكوان12 والربيع بن ثعلب13 ومدرك بن أبي سعد الفزاري14.
وأما قراءته على أبي الدرداء فإنه قرأ عليه بلا واسطة، روى ذلك الداني وقطع به وصححه ابن الجزري15، وقال الذهبي: وروينا بإسناد قوي أنه قرأ على أبي الدرداء والظاهر أنه قرأ عليه من القرآن16.
وأما سماعه قراءة عثمان فقد قال أبو علي أحمد بن محمد الأصبهاني: أما لقيه عثمان بن عفان وأخذه القراءة عنه سماعا فلا خلاف فيه من طرق، ذكر هذا الأهوازي17 وساق بعض المرويات التي فيها إثبات سماع بن عامر من عثمان.
هذا ما جاء في ترجمة ابن عامر الدمشقي رحمه الله تعالى وترقبوا في الحلقة القادمة إن شاء اللع تعالى ذكر راوييه.
——————–
1- وأوصلها الأهازي إلى اثني عشر قولا.
2- غاية النهاية ص:188.
3- السبعة ص:85، جامع البيان ص:95
4- جامع البيان ص:56
5- معرفة القراء الكبار ص:64
6- وقد رواها الداني في جامع البيان ص:56 من طريق أخرى عن يحيى بن الحارث.
7- التيسير ص:9
8- معرفة القراء الكبار ص:7
9- السير 5/292
10- غاية النهاية ص:411، التهذيب 4/111
11- تهذيب الكمال 15/144
12- انظر نقد الداني لابن جرير في جامع البيان ص:58
13- معرفة القراء الكبار ص:68
14- تهذيب الكمال 30/253
15- النشر 1/166
16- السير 5/292
17- معرفة القراء الكبار ص:65

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *