شهوة البطن من أعظم المهلكات إذا لم يضبطها العبد ويلجمها بما جاء به الشرع، فبها أخرِج آدم عليه السلام من الجنة، ومن شهوة البطن تحدث شهوة الفرج والرغبة في المال، ويتبع ذلك آفات كثيرة، (انظر مختصر منهاج القاصدين).
يقول الله تعالى: “وَكُلُواْ وَاشْرَبُواْ وَلاَ تُسْرِفُواْ إِنَّهُ لاَ يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ”.
قال السعدي رحمه الله: “( وَكُلُواْ وَاشْرَبُواْ) أي: مما رزقكم الله من الطيبات (وَلاَ تُسْرِفُواْ) في ذلك، والإسراف إما أن يكون بالزيادة على القدر الكافي والشره في المأكولات التي تضر بالجسم وإما أن يكون بزيادة الترفه والتنوع في المأكل والمشرب واللباس، وإما بتجاوز الحلال إلى الحرام” (تيسير الكريم الرحمن).
وقال عليه الصلاة والسلام في الحديث الصحيح: “من وقاه الله شر ما بين لحييه وشر ما بين رجليه دخل الجنة” (السلسلة الصحيحة).
قال الحافظ في الفتح: “قوله (ما بين لحييه) قيل: لسانه، وقيل: بطنه”.
ولما ذكر الغزالي رحمه الله في الإحياء شهوة البطن والفرج واللسان قال: “فهذه الشهوات الثلاث بها يهلك أكثر الخلق.. وقد سُئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن أكثر ما يدخل الناس الجنة فقال: (تقوى الله وحسن الخلق) وسئل عن أكثر ما يدخل النار فقال: (الأجوفان: الفم والفرج) .. فيحتمل أن يكون المراد بالفم آفات اللسان لأنه محله، ويحتمل أن يكون المراد به البطن لأنه منفده”.
وقال عليه الصلاة والسلام: “ما ملأ آدمي وعاء شرا من بطنه، بحسب ابن آدم أكلات يقمن صلبه، فإن كان لا محالة فثلث لطعامه، وثلث لشرابه، وثلث لنفسه” (السليلة الصحيحة).
قال ابن رجب رحمه الله: “كان النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه يجوعون كثيرا ولا يشربون كثيرا، يقللون من أكل الشهوات وإن كان ذلك لعدم وجود الطعام إلا أن الله لا يختار لرسوله إلا أكمل الأحوال وأفضلها ولهذا كان ابن عمر يتشبه به في ذلك مع قدرته على الطعام، وكذلك أبوه من قبله” (جامع العلوم والحكم).
قال مالك بن دينار رحمه الله: “ما ينبغي للمؤمن أن يكون بطنه أكبر من همه، وأن تكون شهوته هي الغالبة” (جامع العلوم والحكم).
وقال ابن القيم رحمه الله في الفوائد: “لو تغدى القلب بالمحبة لذهبت بطنة الشهوات”.
ولا يعني هذا أن يحمل الإنسان نفسه على التقليل مما أحله الله له من الطعام بحيث ينهك قواه فلا يقوى على طاعة الله.
يقول ابن الجوزي رحمه الله: “قال الإمام أحمد بن حنبل: “أكره التقلَّل من الطعام فإن أقواما ما فعلوه فعجزوا عن الفرائض”، وهذا صحيح فإن المتقلل لا يزال يتقلل إلى أن يعجز عن النوافل ثم الفرائض، ثم يعجز عن مباشرة أهله وإعفافهم وعن بذل القوى في الكسب لهم وعن فعل خير قد كان يفعله.
..فتنقيص المطعم على الدوام مؤثر في القوى فلا يجوز” (صيد الخاطر بتصرف).
قال ابن القيم: “وأما الذوق الواجب فتناول الطعام والشراب عند الاضطرار إليه وخوف الموت فإن تركه حتى مات، مات عاصيا قاتلا لنفسه.
قال الإمام أحمد وطاووس: “من اضطر إلى أكل الميتة فلم يأكل حتى مات دخل النار”، ومن هذا تناول الدواء إذا تيقَّن النجاة له من الهلاك على أصح القولين وإن ظن الشفاء به فهل هو مستحب مباح، أو الأفضل تركه؟ فيه نزاع معروف بين السلف والخلف.
والذوق الحرام كذوق الخمر والسموم القاتلة والذوق الممنوع منه للصوم الواجب، وأما المكروه فكذوق المشتبهات والأكل فوق الحاجة وذوق الطعام الفجاءة وهو الطعام الذي تفجأ آكله ولم يُرد أن يدعوك إليه، وكأكل أطعمة المرائين في الولائم والدعوات ونحوها وفي السنن أن رسول الله نهى عن طعام المتبارين وذوق طعام من يطعمك حياء منك لا بطيبة نفس، والذوق المستحب أكل ما يعينك على طاعة الله عز وجل مما أذن الله فيه، والأكل مع الضيف ليطيب له الأكل فينال منه غرضه، والأكل من طعام صاحب الدعوة الواجب إجابتها أو المستحب، وقد أوجب بعض الفقهاء الأكل من الوليمة الواجب إجابتها للأمر به عن الشارع، والذوق المباح ما لم يكن فيه إثم ولا رجحان” (المدارج).
قال سلمة بن سعد: “إن كان الرجل ليعير بالبطنة كما يعير بالذنب” (جامع العلوم والحكم).