ختمه لكتابه بخاتمة أسماها:”دعا الأسماء”:
ومما ورد في هذا الدعاء قوله:” ربي أنت -جل جلالك- صفاتك تتعدد وأنت لا تتعدد، أعبدك في ذاتك يقينا راسخا، سواء خلقت حور العين أم لم تخلق، وسواء خلقت النار أم لم تخلقها، وسواء خلقت الجنة أم لم تخلقها، وسواء خلقت أنهارا من عسل مصفى أم لم تخلقها، يكفيني ربي أنك واحد لا شريك لك، بيدك الملك وإنك على كل شيء قدير” ص:384.
فهو يعبد الله لكونه سبحانه واحدا لا شريك له، فلا يعبده طمعا في جنته أو خوفا من ناره، وهذا ضلال بين فإن الله تعالى يقول: “أُولَئِكَ الَّذِينَ يَدْعُونَ يَبْتَغُونَ إِلَى رَبِّهِمُ الْوَسِيلَةَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ وَيَرْجُونَ رَحْمَتَهُ وَيَخَافُونَ عَذَابَهُ إِنَّ عَذَابَ رَبِّكَ كَانَ مَحْذُورًا” الإسراء:57، وقال تعالى عن أصفيائه من رسله: “إِنَّهُمْ كَانُوا يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَيَدْعُونَنَا رَغَبًا وَرَهَبًا وَكَانُوا لَنَا خَاشِعِينَ” الأنبياء:90.
قال الثوري: {رَغَبًا} فيما عندنا، {وَرَهَبًا} مما عندنا.
وأمر عباده بقوله جل في علاه: “وَادْعُوهُ خَوْفًا وَطَمَعًا إِنَّ رَحْمَتَ اللَّهِ قَرِيبٌ مِنَ الْمُحْسِنِينَ” الأعراف:56، أي: خوفا من عقابه، وطمعا في ثوابه.
يقول سيخ الإسلام رحمه الله تعالى: “قال من قال من السلف: من عبد الله بالحب وحده فهو زنديق، ومن عبده بالرجاء وحده فهو مرجئ، ومن عبده بالخوف وحده فهو حروري، ومن عبده بالحب والخوف والرجاء فهو مؤمن موحد” العبودية:1/112.
ومما جاء في دعائه كذلك: “ربي النار تخشاني باتقائك والجنة تميل إلي بطاعتك… وفي النار تتبدل الجلود وهي تقول: هل من مزيد، فأشهد أن النار رحمة للكافرين، وأن الجنة رحمة للمؤمنين” ص:385-.
يقول تعالى: “وَاتَّقُواْ النَّارَ الَّتِي أُعِدَّتْ لِلْكَافِرِينَ”، ومهما عظم إيمان العبد وتقواه، فإنه يخشى النار، بل كلما عظم إيمانه وتقواه عظم خوفه وخشيته من عذاب الله، فكيف يدعي أن النار هي التي تخشاه لتقواه؟
وكيف يزعم أن النار رحمة للكافرين، والله تعالى يقول للنار: “إنما أنت عذابي أعذب بك من أشاء من عبادي” .
كيف تكون النار رحمة للكافرين وقد أعد الله لهم فيها ألوانا من العذاب الذي لا يطيقه أحد، يقول تعالى: “إِنَّ لَدَيْنَا أَنْكَالًا وَجَحِيمًا، وَطَعَامًا ذَا غُصَّةٍ وَعَذَابًا أَلِيمًا” المزمل:12-13، ويقول عز شأنه: “فَذُوقُوا فَلَنْ نَزِيدَكُمْ إِلَّا عَذَابًا” النبأ:30.
كيف تكون رحمة للكافرين وهم يصطرخون فيها ويسألون الخروج والرجعة للدنيا لإصلاح ما فات، كما قال جل في علاه: “وَالَّذِينَ كَفَرُوا لَهُمْ نَارُ جَهَنَّمَ لَا يُقْضَى عَلَيْهِمْ فَيَمُوتُوا وَلَا يُخَفَّفُ عَنْهُمْ مِنْ عَذَابِهَا كَذَلِكَ نَجْزِي كُلَّ كَفُورٍ، وَهُمْ يَصْطَرِخُونَ فِيهَا رَبَّنَا أَخْرِجْنَا نَعْمَلْ صَالِحًا غَيْرَ الَّذِي كُنَّا نَعْمَلُ أَوَلَمْ نُعَمِّرْكُمْ مَا يَتَذَكَّرُ فِيهِ مَنْ تَذَكَّرَ وَجَاءَكُمُ النَّذِيرُ فَذُوقُوا فَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ نَصِيرٍ” فاطر:36-37.
“إنَّ الْمُجْرِمِينَ فِي عَذَابِ جَهَنَّمَ خَالِدُونَ، لَا يُفَتَّرُ عَنْهُمْ وَهُمْ فِيهِ مُبْلِسُونَ، وَمَا ظَلَمْنَاهُمْ وَلَكِنْ كَانُوا هُمُ الظَّالِمِينَ، وَنَادَوْا يَا مَالِكُ لِيَقْضِ عَلَيْنَا رَبُّكَ قَالَ إِنَّكُمْ مَاكِثُونَ” الزخرف:74-77.
والمخالفات العقدية والمنهجية التي حواها هذا الكتاب يحتاج بيانها إلى صفحات عدة كما أسلفت، ولكن أكتفي بما ذكرت، وإن كان الأمر يحتاج إلى قراءة متأنية للكتاب بأكمله للوقوف على كل الأخطاء والمخالفات، ولعلي أختم، بمثال آخر لهذه المخالفات، وهو ما سطره عند تفسيره لاسم “الراضي” الذي أثبته بلا دليل بين، يقول: “الراضي: من يرضى بالأعمال، سالبها بالعقاب وموجبها بالثواب” ص:67.
كيف يرضى الله بسالب الأعمال، بما فيها من المعاصي والكفر، والله تعالى يقول: “إِنْ تَكْفُرُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنْكُمْ وَلَا يَرْضَى لِعِبَادِهِ الْكُفْرَ وَإِنْ تَشْكُرُوا يَرْضَهُ لَكُمْ..” الزمر:7.
يقول العلامة السعدي رحمه الله تعالى: “{وَلا يَرْضَى لِعِبَادِهِ الْكُفْرَ} لكمال إحسانه بهم، وعلمه أن الكفر يشقيهم شقاوة لا يسعدون بعدها، ولأنه خلقهم لعبادته، فهي الغاية التي خلق لها الخلق، فلا يرضى أن يدعوا ما خلقهم لأجله” .
والله أعلم وأحكم.