من آثار الإيمان باسم الحليم الحلقة العشرون ناصر عبد الغفور

6- من آثار الإيمان باسم الحليم مجاهدة النفس للاتصاف بالحلم:

من أعظم آثار الإيمان باسم الله الحليم التعبد لله تعالى بهذا الاسم، وذلك بالمجاهدة للتحلي بصفة الحلم حتى تكون للعبد سجية ، يقول الإمام القرطبي رحمه الله نقلا عن الأقليشي الأندلسي: “..فمن الواجب على من عرف أن ربّه حليم على من عصاه، أن يحلم هو على من خالف أمره فذاك به أولى، حتى يكون حليما فينال من هذا الوصف بمقدار ما يكسر سورة غضبه، ويرفع الانتقام عن ما أساء إليه، بل يتعود الصفح حتى يعود الحلم له سجية، وكما تحب أن يحلم عنك مالكك، فاحلم أنت عمن تملك لأنك متعبد بالحلم مثاب عليه، قال الله تعالى: “وَجَزَاء سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِّثْلُهَا فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ”، وقال:”وَلَمَن صَبَرَ وَغَفَرَ إِنَّ ذَلِكَ لَمِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ” .
فالواجب على كل واحد منا أن يُرى هذا الأثر من آثار اسم الحليم عليه، فيقابل السيئة بالحسنة ويجاهد نفسه للتخلص من حب الانتقام.
* ومن الأمور التي تعين على التحلي بصفة الحلم:
– المجاهدة: فكثير من الناس لم يُجبلوا على الحلم، لكن بشيء من المجاهدة لا بد أن يصير الحلم للإنسان طبعا، كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “إنما العلم بالتعلم، وإنما الحلم بالتحلم، ومن يتحر الخير يعطه، ومن يتق الشر يوقه” الصحيحة-342.
فأول خطوة يخطوها الواحد منا للاتصاف بالحلم التحلم: أن يتحلم ويتصنع الحلم ويتكلفه ويكظم غيظه ويمسك نفسه، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: “ليس الشديد بالصرعة، إنما الشديد الذي يمسك نفسه عند الغضب” متفق عليه من حديث أبي هريرة رضي الله عنه .
– علم العبد بأن الله يحب هذه الصفة وأهلها، فعن ابن عباس رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لأشج عبد القيس رضي الله عنه: “إن فيك لخصلتين يحبهما الله تعالى: الحلم والأناة”.
– أنها من الصفات التي أكرم الله بها رسله وأنبياءه وجعلها صفة سجية لهم كما قال تعالى عن ابراهيم الخليل: “إِنَّ إِبْرَاهِيمَ لَحَلِيمٌ أَوَّاهٌ مُّنِيبٌ”، وقال عن ابنه اسماعيل : “فَبَشَّرْنَاهُ بِغُلَامٍ حَلِيمٍ”، وقال حكاية عن قوم شعيب وهم يصفونه: “إِنَّكَ لَأَنتَ الْحَلِيمُ الرَّشِيدُ” .
– العلم بأن “الحلم من أشرف الأخلاق، وأحقها بذوي الألباب، لما فيه من سلامة العرض وراحة الجسد واجتلاب الحمد.. فإذا اتصف المرء بالحلم كثر محبوبه، وقلّ شانئوه، وعلت منزلته، ووفرت كرامته” ، وأمن في بيته وأهله، فكم من بيوت دمرت، وكم من أسر شتت، بل وكم من نفس أزهقت في ساعة غضب..
ولا يجب أن يفهم من الحلم التجاوز مع غليان القلب وامتلائه حقدا وغيظا، بل الحليم يجب أن يكون سليم الصدر ليس في قلبه غل ولا حقد اتجاه من أساء إليه.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *