إن لله تسعة وتسعين اسما من أحصاها دخل الجنة من آثار الإيمان باسمي الرحمن الرحيم ناصر عبد الغفور

من آثار الإيمان بهذين الاسمين -الرحمن الرحيم- أن نتعبد لله تعالى بهما وذلك بأمور أذكر منها:
* دعاءه سبحانه بهذين الاسمين: وقد مرّ معنا أن دعاء الله بأسمائه نوعان:
دعاء مسألة: وكان ذلك دأب الأنبياء والصالحين كما قال رب العالمين عن سلميان عليه السلام: “وَأَدْخِلْنِي بِرَحْمَتِكَ فِي عِبَادِكَ الصَّالِحِينَ”، وكان من دعاء الراسخين في العلم كما قال جل وعلا: “رَبَّنَا لاَ تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِن لَّدُنكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنتَ الْوَهَّابُ”، وقال تعالى: “إِنَّهُ كَانَ فَرِيقٌ مِّنْ عِبَادِي يَقُولُونَ رَبَّنَا آمَنَّا فَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا وَأَنتَ خَيْرُ الرَّاحِمِينَ”.
ومما علّمه النبي صلى الله عليه وسلم للصديق رضي الله عنه: “قل اللهم إني ظلمت نفسي ظلما كثيرا ولا يغفر الذنوب إلا أنت، فاغفر لي مغفرة من عندك وارحمني إنك أنت الغفور الرحيم” رواه البخاري وغيره.
دعاء عبادة: بالنسبة لاسم الرحمن “هو امتلاء القلب بالرحمة والحب والحرص على ما ينفع الخلق سواء أهل البر والإيمان أو أهل الفسوق والعصيان، فالأولون يحب لهم ما يحب لنفسه وأما الآخرون فيحرص على دعوتهم..”.
أما دعاءه سبحانه باسمه الرحيم -دعاء عبادة-: (فبامتلاء القلب برحمة الولاء ورقة الوفاء التي تدفع إلى حب المؤمنين وبغض الكافرين، وأسوتنا في ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم: “لَقَدْ جَاءكُمْ رَسُولٌ مِّنْ أَنفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُم بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُوفٌ رَّحِيمٌ”، وروى البخاري من حديث مالك بن الحويرث أنه قال: “أتيت النبي صلى الله عليه وسلم في نفر من قومي فأقمنا عنده عشرين ليلة وكان رحيما رفيقا”) .
* صلة الرحم، قد يقول قائل كيف نتعبد الله -باسمي الرحمن الرحيم- بصلة الأرحام، الجواب نجده في قوله صلى الله عليه وسلم: “قال الله تعالى: أنا خلقت الرحم، وشققت لها اسما من اسمي، فمن وصلها وصلته ومن قطعها قطعته ومن بتها بتته” (الصحيحة رقم:520)، والنصوص في عظم شأن صلة الرحم كثيرة لا يتسع المقام لذكرها.
* ومن آثار الإيمان بهذين الاسمين أن يعتقد العبد أن فوزه في الآخرة بدار الله الباقية إنما هو من فضل الله ورحمته لا بعمله مهما عظم في عينه، كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “ما من أحد يدخله عمله الجنة، فقيل: ولا أنت يا رسول الله؟ قال: “ولا أنا إلا أن يتغمدني الله برحمته” متفق عليه من حديث أبي هريرة رضي الله عنه، وفي لفظ: “لا يدخل أحدا منكم عمله الجنة، ولا يجيره من النار، ولا أنا إلا برحمة الله” رواه مسلم عن جابر رضي الله عنه.
وهذا يورث العبد تذللا وانكسارا وافتقارا دائما إلى ربِّه، ويمنعه من الاغترار والامتنان بعمله فلا يستكثره ولا يدل به ويتكل عليه.
* مجاهدة النفس للاتصاف بصفة الرحمة فإن الله تعالى رحيم يحب من عباده الرحماء، وبقدر تحلي العبد بهذه الرحمة بقدر ما يكون له نصيب من رحمة الله كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “لا يرحم الله من عباده إلا الرحماء” متفق عليه، وقال: “من لا يرحم الناس لا يرحمه الله” متفق عليه، وقال: “ارحم من في الأرض، يرحمك من في السماء” الصحيحة، وقال: “ارحموا ترحموا واغفروا يغفر لكم..” الصحيحة.
يقول الإمام الغزالي رحمه الله تعالى: “حظ العبد من اسم الرحمن: أن يرحم عباد الله تعالى الغافلين فيصرفهم عن طريق الغفلة إلى الله بالوعظ والنصح بطريق اللطف دون العنف، وأن ينظر إلى العصاة بعين الرحمة لا بعين الإيذاء..
وحظه من اسم الرحيم: أن لا يدع فاقة لمحتاج إلا يسدها بقدر طاقته، ولا يترك فقيرا في جواره.. إلا ويقوم بتعهده ودفع فقره، إما بماله أو جاهه أو السعي في حقه بالشفاعة إلى غيره، فإن عجز عن جميع ذلك فيعينه بالدعاء..” .
وما أحسن ما قاله الإمام أبو عبد الله القرطبي المالكي: “فكن رحيما لنفسك ولغيرك ولا تستبد بخيرك، فارحم الجاهل بعلمك، والذليل بجاهك، والفقير بمالك، والكبير والصغير بشفقتك ورأفتك، والعصاة بدعوتك، والبهائم برعوتك.. فأقرب الناس من رحمة الله أرحمهم بخلقه، وقد دخلت البغي الجنة بسقيها كلبا، فمن كثرت منه الشفقة على خلقه والرحمة على عباده، رحمه الله برحمته، وأدخله دار كرامته، ووقاه عذاب قبره وهول موقفه وأظله بظله، إذ كل ذلك من رحمته” .
وهذه بشرى من المصطفى صلى الله عليه وسلم لمن اتصف بهذه الصفة العظيمة -صفة الرحمة-، يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: “وأهل الجنة ثلاثة: ذو سلطان مقسط متصدق موفق، ورجل رحيم رقيق القلب لكل ذي قربى ومسلم، وعفيف متعفف” (رواه مسلم رقم:2265).
فاللهم اجعلنا من الراحمين المرحومين.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *