أعمال ثوابها كقيام الليل حري بالمسلم الحريص ألا يفرط فيها اعداد عبد الله الزناسني

لقيام الليل شأن عظيم عند الله عز وجل، فأفضل الصلاة بعد الفريضة صلاة الليل، ومن مزاياه أنه لا يكفر الذنوب فحسب، وإنما ينهى صاحبه عن الوقوع في الآثام؛ لما رواه أبو أمامة الباهلي رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: (عليكم بقيام الليل، فإنه دأب الصالحين قبلكم، وقربة إلى ربكم، ومكفرة للسيئات، ومنهاة للإثم) (صحيح الترغيب والترهيب؛ 624).

وكان السلف رحمهم الله تعالى بل وأجدادنا إلى عهد قريب لا يفرطون في قيام الليل، أما في هذا العصر فقد انقلب ليل كثير من الناس إلى نهار وسهر، وفوتوا عليهم لذة مناجاة الله تعالى بالليل، ووصل تفريطهم إلى ترك صلاة الفجر.
فعندما زار طاووس بن كيسان رحمه الله تعالى رجلا في السحر فقالوا: هو نائم، قال: ما كنت أرى أن أحدا ينام في السحر (حلية الأولياء وطبقات الأصفياء لأبي نعيم)، فلو زارنا طاووس بن كيسان رحمه الله تعالى اليوم فماذا عساه أن يقول عنا يا ترى؟
إن من رحمة الله عز وجل بعباده، أنه وهبهم أعمالا يسيرة يعدل ثوابها قيام الليل، فمن فاته قيام الليل أو عجز عنه فلا يُفوت عليه هذه الأعمال لتثقيل ميزانه، وهذه ليست دعوة للتقاعس عن قيام الليل، إذ لم يفهم سلفنا الصالح رحمهم الله تعالى ذلك، بل كانوا ينشطون في كل ميادين الخير.
كما أن النبي صلى الله عليه وسلم قد دل صحابته الكرام على بعض الأعمال السهلة لمن لم يستطع مجاهدة نفسه على قيام الليل، رغبة منه صلى الله عليه وسلم في حثنا على فعل الخير لتكثير حسناتنا، حيث روى أبو أمامة الباهلي رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من هاله الليل أن يكابده، أو بخل بالمال أن ينفقه، أو جبن عن العدو أن يقاتله، فليكثر من سبحان الله وبحمده، فإنها أحب إلى الله من جبل ذهب ينفقه في سبيل الله عز وجل) (صحيح الترغيب والترهيب؛ 1541).
والأحاديث التي سنوردها إنما هي فضائل أعمال ثوابها كقيام الليل، أهداها لنا رسولنا صلى الله عليه وسلم لزيادة حسناتنا وتثقيل ميزاننا، فحري بنا العمل بها.
1- أداء صلاة العشاء والفجر في جماعة
عن عثمان بن عفان رضي الله عنه أنه قال: قال رَسُول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: (مَنْ صَلَّى الْعِشَاءَ فِي جَمَاعَةٍ كَانَ كَقِيَامِ نِصْفِ لَيْلَةٍ، وَمَنْ صَلَّى الْعِشَاءَ وَالْفَجْرَ فِي جَمَاعَةٍ كَانَ كَقِيَامِ لَيْلَةٍ) (رواه الإمام مالك ومسلم وغيرهما).
2- أداء أربع ركعات قبل صلاة الظهر
عن أبي صالح رحمه الله تعالى مرفوعا مرسلا أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (أَرْبَعُ رَكَعَاتٍ قَبْلَ الظُّهْرِ يَعْدِلْنَ بِصَلاَةِ السَّحَرِ) (رواه ابن أبي شيبة في المصنف، وحسنه الألباني في السلسلة الصحيحة 1431) .
3- قراءة مئة آية في الليل
عَنْ تَمِيمٍ الداريّ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: (مَنْ قَرَأَ بِمِئَةِ آيَةٍ فِي لَيْلَةٍ كُتِبَ لَهُ قُنُوتُ لَيْلَةٍ) (رواه الإمام أحمد والدارمي وصححه الألباني في صحيح الجامع 6468).
وقراءة مائة آية أمر سهل لن يقتطع من وقتك أكثر من عشر دقائق، ويمكن أن تدرك هذا الفضل إن كان وقتك ضيقا بقراءة أول أربع صفحات من سورة الصافات مثلا، أو قراءة سورة القلم والحاقة.
وإذا فاتك قراءتها بالليل فاقضها ما بين صلاة الفجر إلى صلاة الظهر، ولا تكسل عنها، تدرك ثوابها بإذن الله تعالى؛ لما رواه عمر بْنُ الْخَطَّابِ رضي الله عنه قال: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: (مَنْ نَامَ عَنْ حِزْبِهِ أَوْ عَنْ شَيْءٍ مِنْهُ، فَقَرَأَهُ فِيمَا بَيْنَ صَلاةِ الْفَجْرِ وَصَلاةِ الظُّهْرِ، كُتِبَ لَهُ كَأَنَّمَا قَرَأَهُ مِنْ اللَّيْلِ) (رواه مسلم).
4- قراءة الآيتين من آخر سورة البقرة في الليل
عَنْ أَبِي مَسْعُودٍ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: (مَنْ قَرَأَ بِالآيَتَيْنِ مِنْ آخِرِ سُورَةِ الْبَقَرَةِ فِي لَيْلَةٍ كَفَتَاهُ) (رواه البخاري ومسلم).
قال النووي رحمه الله تعالى: “قِيل: مَعْنَاهُ كَفَتَاهُ مِنْ قِيَام اللَّيْل، وَقِيلَ: مِنْ الشَّيْطَان, وَقِيلَ: مِنْ الآفَات, وَيَحْتَمِل مِنْ الْجَمِيع” اهـ.
5- حسن الخلق
عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها قَالَتْ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: (إِنَّ الْمُؤْمِنَ لَيُدْرِكُ بِحُسْنِ خُلُقِهِ دَرَجَاتِ قَائِمِ اللَّيْلِ صَائِمِ النَّهَارِ) (رواه مالك وغيره؛ انظر صحيح الجامع 1620).
وحسن الخلق يكون بتحسين المعاملة مع الناس وكف الأذى عنهم.
6- السعي في خدمة الأرملة والمسكين
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: (السَّاعِي عَلَى الأَرْمَلَةِ وَالْمِسْكِينِ؛ كَالْمُجَاهِدِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَوْ الْقَائِمِ اللَّيْلَ الصَّائِمِ النَّهَارَ) (رواه البخاري ومسلم).
7- المحافظة على بعض آداب الجمعة
عن أوْس بْن أَوْسٍ الثَّقَفِيُّ رضي الله عنه قال: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: (مَنْ غَسَّلَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ وَاغْتَسَلَ، ثُمَّ بَكَّرَ وَابْتَكَرَ، وَمَشَى وَلَمْ يَرْكَبْ، وَدَنَا مِنْ الإِمَامِ، فَاسْتَمَعَ وَلَمْ يَلْغُ، كَانَ لَهُ بِكُلِّ خُطْوَةٍ عَمَلُ سَنَةٍ؛ أَجْرُ صِيَامِهَا وَقِيَامِهَا) (رواه أحمد والترمذي وغيرهما؛ وصححه الألباني في صحيح الجامع 6405).
فخطوة واحدة إلى الجمعة ممن أدى هذه الآداب لا يعدل ثوابها قيام ليلة أو أسبوع أو شهر، وإنما يعدل سنة كاملة، فتأمل في عظم هذا الثواب.
8- أن تنوي قيام الليل قبل النوم
عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ رضي الله عنه، يرفعه إلى النبي صلى الله عليه وسلم قَالَ: (مَنْ أَتَى فِرَاشَهُ وَهُوَ يَنْوِي أَنْ يَقُومَ يُصَلِّي مِنْ اللَّيْلِ، فَغَلَبَتْهُ عَيْنَاهُ حَتَّى أَصْبَحَ، كُتِبَ لَهُ مَا نَوَى، وَكَانَ نَوْمُهُ صَدَقَةً عَلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ عَزَّ وَجَلَّ). (رواه النسائي وابن ماجه، وحسنه الألباني في صحيح الجامع 5941) .
9- أن تُعلِّم غيرك الأعمال التي ثوابها كقيام الليل
فإن تعليمك الناس للأعمال التي ثوابها كقيام الليل وسيلة أخرى تنال بها ثواب قيام الليل، فالدال على الخير كفاعله، فكن داعية خير وانشر هذه الفضائل تكسب ثوابا بعدد من تعلم منك وعَمِلَ به. (انظر كتاب أعمال ثوابها كقيام الليل؛ د. محمد بن إبراهيم النعيم)

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *