قال تعالى: “شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآَنُ هُدًى لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ، وَمَنْ كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ، يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ، وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ، وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ” (البقرة).
“رَمَضَانَ” مأخوذ من رمض الصائم يرمض: إذا احترق جوفه من شدة العطش، والرمضاء ممدود: شدّة الحرّ، ومنه الحديث الثابت في الصحيح: “صلاة الأوّابين إذا رمضت الفصال” أي: أحرقت الرمضاء أجوافها .
قال الجوهري: ..يقال: إنهم لما نقلوا أسماء الشهور عن اللغة القديمة سموها بالأزمنة التي وقعت فيها، فوافق هذا الشهر أيام الحرّ، فسمي بذلك. وقيل: إنما سمي رمضان؛ لأنه يرمض الذنوب، أي: يحرقها بالأعمال الصالحة.
قوله تعالى: “أُنزِلَ فِيهِ القرآن”، قيل: أنزل من اللوح المحفوظ إلى سماء الدنيا، ثم كان جبريل ينزل به نجماً نجماً، وقيل: أنزل فيه أوّله، وقيل: أنزل في شأنه القرآن، وهذه الآية أعم من قوله تعالى: “إِنَّا أنزلناه فِى لَيْلَةِ القدر” (القدر)، وقوله: “إِنَّا أنزلناه فِى لَيْلَةٍ مباركة” (الدخان) يعني: ليلة القدر. والقرآن اسم لكلام الله تعالى، وهو بمعنى المقروء كالمشروب سمي شراباً، والمكتوب سمي كتاباً.
وقوله: “وبينات مِّنَ الهدى” من عطف الخاص على العام، إظهاراً لشرف المعطوف بإفراده بالذكر؛ لأن القرآن يشمل محكمه، ومتشابهه، والبينات تختص بالحكم منه، والفرقان: ما فرق بين الحق، والباطل: أي: فصل.
قوله تعالى: “مَن شَهِدَ مِنكُمُ الشَّهْرَ” أي: حضر، ولم يكن في سفر بل كان مقيماً، والشهر منتصب على أنه ظرف، ولا يصح أن يكون مفعولاً به. قال جماعة من السلف، والخلف: إن من أدركه شهر رمضان مقيماً غير مسافر لزمه صيامه، سافر بعد ذلك، أو أقام استدلالاً بهذه الآية. وقال الجمهور: إنه إذا سافر أفطر، لأن معنى الآية: إن حضر الشهر من أوّله إلى آخره لا إذا حضر بعضه، وسافر، فإنه لا يتحتم عليه إلا صوم ما حضره، وهذا هو الحق، وعليه دلت الأدلة الصحيحة من السنة، قد كان يخرج صلى الله عليه وسلم في رمضان، فيفطر.
وقوله تعالى: “يُرِيدُ الله بِكُمُ اليسر وَلاَ يُرِيدُ بِكُمُ العُسر” فيه أن هذا مقصد من مقاصد الربّ سبحانه، ومراد من مراداته في جميع أمور الدين، ومثله قوله تعالى: “وَمَا جَعَلَ عَلَيْكمْ فِى الدين مِنْ حَرَجٍ” (الحج) وقد ثبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه كان يرشد إلى التيسير، وينهى عن التعسير كقوله صلى الله عليه وسلم: “يسروا ولا تعسروا، وبشروا ولا تنفروا” وهو في الصحيح. واليسر السهل الذي لا عسر فيه.
وقوله: { وَلِتُكْمِلُواْ العدة } الظاهر أنه معطوف على قوله: “يُرِيدُ الله بِكُمُ اليسر”، أي: يريد بكم اليسر، ويريد إكمالكم للعدّة، وتكبيركم، وقيل: إنه متعلق بمحذوف تقديره: رخص لكم هذه الرخصة لتكملوا العدة، وشرع لكم الصوم لمن شهد الشهر لتكملوا العدة
.. وقد ثبت، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: “من صام رمضان إيماناً واحتساباً غفر له ما تقدّم من ذنبه” وثبت عنه أنه قال: “من قام رمضان إيماناً، واحتساباً غفر له ما تقدّم من ذنبه”. (انظر فتح القدير).
من فوائد الآية الكريمة:
1- فضل شهر رمضان وفضل القرآن .
2- وجوب صيام رمضان على المكلفين، والمكلف هو المسلم العاقل البالغ مع سلامة المرأة من دمي الحيض والنفاس .
3- الرخصة للمريض الذي يخاف تأخر برئه أو زيادة مرضه، والمسافر مسافة قصر.
4- وجوب القضاء على من أفطر لعذر .
5- يسر الشريعة الإِسلامية وخلوها من العسر والحرج .
6- مشروعية التكبير ليلة العيد ويومه وهذا التكبير جزء لشكر نعمة الهداية إلى الإِسلام.
7- الطاعات هي الشكر فمن لم يطع الله ورسوله لم يكن شاكراً فيعد مع الشاكرين. (أيسر التفاسير)