مفتاح الجنة (لا إله إلا الله) وأسنانه شرائع الإسلام الظاهرة والباطنة، وقد جعل الله لكل مطلوب مفتاحاً يفتح به، فجعل مفتاح الصلاة الطهور، ومفتاح الحج الإحرام، ومفتاح البر الصدق، ومفتاح الجنة التوحيد، ومفتاح العلم حسن السؤال وحسن الإصغاء، ومفتاح النصر والظفر الصبر، ومفتاح المزيد الشكر، ومفتاح الولاية المحبة والذكر؛ ومفتاح الرغبة في الآخرة الزهد في الدنيا، ومفتاح الفلاح التقوى، ومفتاح التوفيق الرغبة والرهبة، ومفتاح الإجابة الدعاء، ومفتاح الإيمان التفكر فيما دعا الله عباده للتفكر فيه، ومفتاح الدخول على الله إسلام القلب وسلامته والإخلاص له في الحب والبغض، والفعل والترك، ومفتاح حياة القلب تدبر القرآن والتضرع بالأسحار وترك الذنوب، ومفتاح حصول الرحمة الإحسان في عبادة الخالق والسعي في نفع عبيده، ومفتاح الرزق السعي مع الاستغفار والتقوى، ومفتاح العز طاعة الله ورسوله، ومفتاح الاستعداد للآخرة قصر الأمل، ومفتاح كل خير الرغبة في الله والدار الآخرة، ومفتاح كل شر حب الدنيا وطول الأمل.
وهذا باب عظيم من أنفع أبواب العلم، ومعرفة مفاتيح أبواب الخير والشر لا يوفق لمعرفته ومراعاته إلا من عظم حظه وتوفيقه، فإن الله سبحانه جعل لكل خير وشر مفتاحاً وباباً يدخل منه إليه، كما جعل الشرك والكبر والإعراض عما بعث الله به رسوله، والغفلة عن ذكره والقيام بحقه مفتاحاً للنار، وكما جعل الخمر مفتاح كل إثم، وجعل الغناء مفتاح الزنا، وجعل إطلاق النظر في الصور مفتاح الطلب والعشق، وجعل الكسل والراحة مفتاح الخيبة والحرمان، وجعل المعاصي كلها مفتاح الكفر، وجعل الكذب مفتاح النفاق، وجعل الشح والحرص مفتاح البخل وقطيعة الرحم، وأخذ المال من غير حله، وجعل الإعراض عما جاء به الرسول مفتاح كل بدعة وضلالة، وهذه الأمور لا يصدق بها إلا كل من له بصيرة صحيحة وعقل يعرف به ما في نفسه وما في الوجود من الخير والشر، فينبغي للعبد أن يعتني كل الاعتناء بمعرفة المفاتيح وما جعلت مفاتيح له، والله من وراء توفيقه وعدله، له الملك وله الحمد، وله النعمة والفضل، لا يسأل عما يفعل وهم يسألون. (انظر كتاب حادي الأرواح إلى بلاد الأفراح للشيخ ابن القيم صفحة 45).