من فقه البيوع النوع الثالث من البيوع المحرمة: بيوع الربا (الحلقة العاشرة) من أحكام تجارة الذهب والفضة ياسين رخصي

من الأحكام المهمة التي يحتاج الناس إلى معرفتها، أحكام تجارة الذهب والفضة، فإن الجهل بها سبيل إلى الوقوع في الربا؛ ولا ينبغي أن يظن ظان أن معرفة هذه الأحكام تختص بمن يتعاطى تجارة الذهب دون غيره، بل يستوي في ذلك البائع الصائغ، والمشتري المستهلك، لا سيما وأن كثيرا ممن يشتري الذهب والفضة لخاصة نفسه قد يحتاج إلى بيعها إذا احتاج إلى الدراهم، فظهر بذلك أنه لا غنى للمرء عن معرفة هذه الأحكام، فإنه حينا يكون مشتريا وحينا يكون بائعا.
شرط صحة مبادلة الذهب بالذهب
يشترط لصحة مبادلة الذهب بالذهب والفضة بالفضة التساوي في الوزن والتقابض في المجلس، فلا يجوز مبادلة مائة غرام من الذهب الجيد بمائة وعشرين غراما من الذهب الرديء.
وكذلك لا يجوز أن يبادل ذهبا بذهب، أو فضة بفضة، أو ذهبا بفضة مع تأخير التقابض، لقوله صلى الله عليه وسلم: “الذهب بالذهب، والفضة بالفضة، والبر بالبر، والشعير بالشعير، والتمر بالتمر، والملح بالملح، مثلا بمثل، سواء بسواء، يدا بيد، فإذا اختلفت هذه الأصناف فبيعوا كيف شئتم إذا كان يدا بيد” رواه مسلم من حديث عبادة بن الصامت.
هل تعتبر قيمة الصياغة عند مبادلة الذهب بالذهب أو الفضة بالفضة
أكثر أهل العلم ومنهم أصحاب المذاهب الأربعة(1)، على أنه لا تعتبر قيمة الصياغة في الذهب والفضة عند مبادلتهما بجنسهما، فلا يجوز بيع الذهب بالذهب، ولا الفضة بالفضة، مع التفاضل في الوزن لأجل الصياغة، والدليل على ذلك ما رواه مالك في الموطأ عن عطاء بن يسار: “أن معاوية بن أبي سفيان باع سقاية (الإناء الذي يسقى به) من ذهب أو وَرِقٍ (فضة) بأكثر من وزنها، فقال أبو الدرداء: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم ينهى عن مِثْلِ هذا إلا مِثْلاً بمثل، فقال له معاوية: ما أرى بمثل هذا بأسا، فقال أبو الدرداء: من يَعْذِرُني من معاوية؟ أنا أخبره عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ويُخبرني عن رأيه، لا أساكنك بأرض أنت بها. ثم قدم أبو الدرداء على عمر بن الخطاب، فذكر ذلك له، فكتب عمر بن الخطاب إلى معاوية: أن لا تبع ذلك إلا مثلا بمثل، ووزنا بوزن”.
حكم استبدال ذهب قديم بآخر جديد مع دفع فرق الثمن بين القديم والجديد
لا يجوز هذا البيع لقوله صلى الله عليه وسلم: “الذهب بالذهب، والفضة بالفضة.. مثلا بمثل، سواء بسواء، يدا بيد”، ولحديث أبي سعيد وأبي هريرة رضي الله عنهما: “أن رسول الله صلى الله عليه وسلم استعمل رجلا على خيبر فجاءه بتمر جنيب (هو نوع من التمر من أعلاه) فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: أكل تمر خيبر هكذا؟ فقال لا والله يا رسول الله، إنا لنأخذ الصاع من هذا بالصاعين، والصاعين بالثلاثة، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا تفعل، بِعْ الجمع (هو نوع من التمر رديء) بالدراهم، ثم ابتع بالدراهم جنيبا” رواه البخاري ومسلم واللفظ لمسلم.
فالصواب أن من أراد استبدال ذهب قديم بآخر جديد، أن يبيع الذهب الذي معه ويقبض ثمنه -ولا يكفي أن يتفقا على الثمن دون قبض- ثم هو بالخيار إن شاء اشترى الذهب الذي يريده من الصائغ الذي اشترى منه أو من غيره(2).
قال العلامة ابن عثيمين: “فإذا جاءت امرأة إلى الصائغ وباعت عليه حليها، واشترت منه حليا آخر، فإما أن يكون ذلك عن اتفاق بينهما كأن تقول: سأبيع عليك هذا الحلي بعشرة آلاف، وأشتري منك الحلي الآخر الذي هو أقل منه وزنا بالعشرة، فإذا كان ذلك عن تواطؤ فإنه لا يجوز، لأن هذا البيع الذي حصل عقد صوري يقصد به التوصل إلى المحرم. وأما إذا كان ذلك ليس عن تواطؤ بينهما، بل باعت عليه ذهبها وأخذت القيمة ثم عادت واشترت فلا بأس به”(3).
حكم بيع الذهب والفضة بالتقسيط
إعلم أن العملة النقدية مُنَزَّلة منزلة النقدين الذهب والفضة، لكونها حلت محلهما في الثمنية، فهي في حكمهما، وعليه فلا يجوز بيع الذهب والفضة بالعملات النقدية إلا على وجه التقابض، لقوله صلى الله عليه وسلم: “إذا اختلفت هذه الأصناف فبيعوا كيف شئتم إذا كان يدا بيد”.
وبذلك يعلم أن ما يفعله كثير من الناس من شراء حلي الذهب أو الفضة، على أن يكون التسديد على أقساط، أمر غير جائز، بل لا بد من التقابض في مجلس العقد، فإذا اشترى إنسان ذهبا أو فضة من تاجر أو صائغ، لم يجز له أن يفارقه حتى يسلمه القيمة كاملة، إذ أن هذه الأوراق النقدية بمنزلة الذهب والفضة، وبيع الذهب أو الفضة بالأوراق النقدية، كبيع الذهب بالفضة يجب فيه التقابض في مجلس العقد قبل التفرق لما ذكرنا من الأدلة.
ومن ذلك أن بعض الناس إذا أراد شراء حلي من ذهب دفع للبائع عربونا على أن يسدد له ما تبقى من الثمن بعد أجل، فهذا أيضا غير جائز لانتفاء شرط التقابض.
والله الموفق.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1)- أنظر الزيادة وأثرها في المعاوضات المالية لعبد الرؤوف الكمالي (2/558).
(2)- أنظر فتاوى اللجنة الدائمة للإفتاء (13/496-495).
(3)- فتاوى الشيخ ابن عثيمين (2/724).

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *