آثار الاحتساب على المجتمع

خلق الله تعالى الخلق وهو أعلم بما يصلح شأنهم ويناسب أحوالهم، فأمرهم بالمعروف وهو من أخص وأحمد صفات المؤمنين لأن فيه صلاحهم، ونهاهم عن المنكر وهو من أخس وأقبح سوآت العباد لأن فيه فسادهم، فلا يقوم الدين إلا بهما، ولا تتحقق الخيرية إلا بالقيام بموجبهما.
قال تعالى: “كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّه”ِ (آل عمران)
قال ابن عطية المالكي في المحرر الوجيز(3/266): “وهذه الخيرية التي فرضها الله لهذه الأمة، إنما يأخذ بحظه منها من عمل بهذه الشروط، من الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، والإيمان بالله.اهـ
ومتى تركا فشت الضلالة، وشاعت الجهالة، واستشرى الفساد، وقامت سوق الفتنة، فأي أمن يرجى بعد ذلك؟!
لذلك كانت آثار القيام بالاحتساب على المجتمع عظيمة النفع، جليلة القدر، ظاهرة المصلحة.
والمقصود بالاحتساب كما قال الماوردي في الأحكام السلطانية (240): “أمر بالمعروف إذا ظهر تركه، ونهي عن منكر إذا ظهر فعله”.
فمن ذلك:
أولا: طاعة أمر الله تعالى وتعظيم شعائره
قال تعالى: “وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ” (آل عمران).
فعلق الفلاح بإنفاذ أمر الله تعالى، وذلك بالقيام بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، والدعوة إلى الخير.
وقال تعالى: “ذَلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ” (الحج).
قال ابن كثير: “شعائر الله”أي: أوامره.
وقال ابن سعدي: معنى تعظيمها: إجلالها والقيام بها، وتكميلها على أكمل ما يقدر عليه العبد.
وقال رحمه الله: وتعظيم شعائر الله صادر من تقوى القلوب، فالمعظم لها يبرهن على تقواه، وصحة إيمانه، لأن تعظيمها تابع لتعظيم الله تعالى وإجلاله.
ثانيا: الاحتساب دليل على الإيمان
قال تعالى: “وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ” (التوبة).
فجعله من الصفات المميزة للمؤمنين.
قال القرطبي: “فجعل تعالى الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فرقا بين المؤمنين والمنافقين، فدل على أن أخص أوصاف المؤمن: الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر”.
ثالثا: استجابة الله تعالى للدعاء
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (والذي نفسي بيده لتأمرن بالمعروف ولتنهون عن المنكر أو ليوشكن الله أن يبعث عليكم عقابا منه، فتدعونه فلا يستجاب لكم). رواه الترمذي بسند صحيح
فعلق الأمر بهما على الاستجابة، فدل على وجوب الاحتساب وفضله، وأن مصالح الدنيا والآخرة لا تقوم إلا بهما.
رابعا: النجاة من عذاب الله تعالى
قال تعالى: “وَإِذْ قَالَتْ أُمَّةٌ مِنْهُمْ لِمَ تَعِظُونَ قَوْماً اللَّهُ مُهْلِكُهُمْ أَوْ مُعَذِّبُهُمْ عَذَاباً شَدِيداً قَالُوا مَعْذِرَةً إِلَى رَبِّكُمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ.فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ أَنْجَيْنَا الَّذِينَ يَنْهَوْنَ عَنِ السُّوءِ وَأَخَذْنَا الَّذِينَ ظَلَمُوا بِعَذَابٍ بَئِيسٍ بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ” (لأعراف).
فجعل الله تعالى الأمر بهما سبب لدفع العقوبة العاجلة في الدنيا، والعذاب الشديد في الآخرة.
قال ابن سعدي: وهكذا سنة الله في عباده، أن العقوبة إذا نزلت نجا منها الآمرون بالمعروف و الناهون عن المنكر.
خامسا: حفظ أمن واستقرار المجتمع
وجهه أن الإسلام تكفل بحفظ الضروريات لكل فرد من أفراد المجتمع، وهي: الدين، والنفس، والعقل، والعرض، والمال، ولا يتم ذلك إلا بالاحتساب بنشر الفضائل والأخلاق الحسنة، والقضاء على الرذائل والمنكرات، وحفظ حياة الناس وممتلكاتهم، ونحو ذلك من المصالح والمحامد الشرعية.
وقد أكد على ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم بقوله: “فإن دماءكم، وأموالكم، وأعراضكم، عليكم حرام، كحرمة يومكم هذا، في شهركم هذا، في بلدكم هذا.” رواه البخاري
والنصوص الدالة على هذا المعنى كثيرة.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *