هجرناه.. فهجرنا أهل القرآن هم أهلُ العمل به

المتأمل لواقعنا وواقع أجيالنا مع القرآن يجد أن البون شاسع بيننا وبين حال الجيل الأول، فنحن:

– نسينا الهدفَ الذي من أجلِه نزل القرآنُ، وضعُفِ في نفوسنا قيمتُه وتعظيمُه.
– لم يعد للقرآنِ قيمتُه الحقيقيّةُ كمصدرٍ للتوجيه والهدايةِ، بل إننا وللأسف بحثْنَا عن مصادرَ أخرى فتشَتَتْنا وتفرَّقْنا.
– لم نستقبل القرآنَ كما استقبله الصحابةُ، بل استقبلناه على أنّه موروث تلقْيناه من آبائنا وأجدادنا نقرؤه بألفاظِه، ولم نعطِه الفرصة ليُشكِّلَ تصوُّراتِنا، ويصيغَ شخصياتنا ويكونَ مصدرنَا الأولَ للتوجيه، والبناءِ، والتربية.
– لم نعد نعتبرُ القرآنَ المصدرَ الأولَ للحكمِ والتحاكمِ، بل قصرناه على التلاوةِ في المحافلِ والعزائم.
– قصر فهمنا لحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم: “خيركم من تعلّم القرآن وعلّمه” على تعلُّم قراءته فقط، دون تعلُّم معانيه وهداياته التي هي المقصدُ الأهم، وهي التي تزيدُ الإيمان.
– أصبح جلُّ اهتمامنا حين نقرأُ، الوصولَ إلى نهاية السورةِ دون الاهتمامِ بتفهُّم ما نقول.
– ظنَّ كثيرٌ منّا أنَّ مفهومَ الانشغالِ بالقرآنِ هو الانشغالُ بحفظِ ومراجعةِ حروفه فقط، دون التفقُّه فيه، وفهمِ مرادِ الله منه.
– تغيَّر مفهومُ حاملِ القرآنِ وأهلِ القرآن لدينا، فتجدُ الواحدَ إذا أتمَّ حفظَ القرآنِ وَسَمْناه بأنّه من أهلِ القرآنِ، وجَهِلنا أنَّ أهلَ القرآنِ هم أهلُ العمل به.
وفي إطارِ محاضنِ التربيةِ والمدارس القرآنية:
– لم نربِّ الأجيالَ على القرآنِ تربيةً عمليّةً وسلوكية، ولم نعظِّم فيهم القرآنَ كمصدرٍ للتلقي والتوجيه.
– لم نحضر في نفوسِهم سِيَرَ سلفِهم من الجيلِ الأول، ولم نُطْلعْهم حقيقةً على منهجِهم في تلقي القرآن، ولم نربِّهم على ذلك.
– لم يعد في المدارسِ القرآنيةِ سوى تحفيظ القرآنِ، دون التربيةِ العمليةِ والسلوكيةِ عليه إلا ما رحمَ الله، وهذا أعظمُ خطأٍ اقترفناه في حق أجيالنا.
– صار القرآنُ حاضراً بلفظِه على ألسنةِ القرّاء والحفّاظ من أبناءِ تلك المدارسِ، لكنه غائبٌ بروحِه وأنوارِه عن القلوبِ، وأثرِه الإيجابي في السلوك.
– صار موجوداً بشكلِه في المطابعِ، والإذاعاتِ، والمدارسِ، والكُلِّيات والمسابقات، لكنه مهجورٌ في حقيقتِه، وتأثيرِه على القلوب، وتغييرِه للأخلاقِ والسلوك). العودة إلى القرآن لمجدي الهلالي.
” إن الصورةَ التي طُبِعت في أذهاننا في مراحلِ الطفولةِ للقرآن أنه لا يُستدعى للحضورِ إلا في حالاتِ الاحتضارِ والنزعِ والوفاة، أو عند زيارةِ المقابرِ، أو نلجأ لقراءته عند أصحابِ الأمراضِ المستعصيةِ، وهي قراءاتٌ لا تتجاوز الشفاه.
فإذا انتقلنا إلى مراكزِ ودروسِ تعليم القرآن، رأينا أنّ الطريقة التي يُعلَّم بها يصعب معها استحضارُ واصطحاب التدبُّرِ والتذكُّر والنظرِ، إن لم يكن مستحيلاً، إذ الجهدُ كلّه ينصبُّ إلى ضوابطِ الشكلِ من أحكامِ التجويدِ ومخارجِ الحروف، وكأننا نعيشُ المنهجَ التربوي والتعليميَ المعكوس.. ونحن هنا لا نهوّن من أهميةِ ضبطِ الشكل، وحُسن الإخراجِ، وسلامةِ المشافهة، ولكننا ندعو إلى إعادةِ النظر بالطريقةِ حتى نصلَ إلى مرحلةِ التأمّلِ والتفكّر والتدبُّر التي تترافق مع القراءة. (انظر كتاب التأثير القرآني للدكتور محمد الربيعة، ص: 24: 25).

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *