من فقه البيوع النوع الخامس من البيوع المحرمة لأجل الضرر أو الغبن أحكام العيوب: التصرية (تتمة)

نتابع في هذه الحلقة ذكر بعض المسائل المتعلقة بحكم التصرية، وقد ذكرنا من ذلك في الحلقة الماضية ست مسائل والتصرية -كما سبق- هي ربط أضلاف الشاة أو الناقة وترك حلبها، حتى يجتمع لبنها فيكثر فيظن المشتري أن ذلك عادتها، فيزيد في ثمنها لما يرى من كثرة لبنها، وحكمها -كما سبق أيضا:التحريم، لقوله صلى الله عليه وسلم: “لا تصروا الإبل والغنم فمن ابتاعها بعد ذلك فهو بخير النظرين، بعد أن يحلبها إن رضيها أمسكها وإن سخطها ردها وصاعا من تمر” (متفق عليه).

المسألة السابعة: مقدار الواجب رده فيما لو اشترى أكثر من مصراة في عقد واحد
اختلف العلماء في هذه المسألة على قولين:
القول الأول: أنه يتحدد الصاع بتحدد المصراة المشتراة في عقد واحد.
القول الثاني: أنه يكتفى بصاع واحد لجميعها.
والقول الأول أرجح لوجهين:
الوجه الأول: أن قوله صلى الله عليه وسلم: “من اشترى شاة مصراة..” مطلق فيتناول الحكم الواحدة كما يتناول غيرها.
الوجه الثاني: أن المعنى يقوي هذا القول، فإن الصاع بدل اللبن فكلما تعدد اللبن اقتضى ذلك تعدد الصاع1.
المسألة الثامنة: هل يلحق بالإبل والغنم ما سواهما من محرم الأكل كالأتان؟
قال العلامة ابن عثيمين: قال بعض أهل العلم يلحق لأن كثرة اللبن في الأتان (الحمارة) مقصود وإن كان الإنسان لا يشربه، لكن يشربه ولدها، وقال بعض أهل العلم: بل إن الأتان لا حكم لتصريته لأن لبنها لا عوض له. والراجح أنه خاص بمباح اللبن، اللهم إلا إذا كان ذلك عيبا في الأتان، فإن للمشتري الفسخ من أجل العيب2.

المسألة التاسعة: الحكمة في رد التمر بدل اللبن
قال العلامة ابن القيم رحمه الله:” وأما تضمينه بغير جنسه ففي غاية العدل، فإنه لا يمكن تضمينه بمثله البتة، فإن اللبن في الضرع محفوظ غير معرض للفساد، فإذا حلب صار عرضة لحمضه وفساده، فلو ضُمِّن اللبن الذي كان في الضَّرع بلبن محلوب في الإناء كان ظلما تتنزه الشريعة عنه.
وأيضا فإن اللبن الحادث بعد العقد اختلط باللبن الموجود وقت العقد فلم يعرف مقداره حتى يوجب نظيره على المشتري، وقد يكون أقل منه أو أكثر فيفضي إلى الربا، لأن أقل الأقسام أن تجهل المساواة.
وأيضا فلو وكَّلناه إلى تقديرهما، أو تقدير أحدهما، لكثر النزاع والخصام بينهما، ففصل الشارع الحكيم –صلاة الله وسلامه عليه- النزاع وقدره بحد لا يتعديانه قطعا للخصومة وفصلا للمنازعة، وكان تقديره بالتمر أقرب الأشياء إلى اللبن، فإنه قوت أهل المدينة كما كان اللبن قوتا لهم، وهو مكيل، كما أن اللبن مكيل، فكلاهما مطعوم مقتات مكيل، وأيضا فكلاهما يقتات به بلا صنعة ولا علاج، بخلاف الحنطة والشعير والأرز، فالتمر أقرب الأجناس التي كانوا يقتاتون بها إلى اللبن3.

المسألة العاشرة: يؤخذ من النهي عن التصرية تحريم كل تدليس في البيع يراد منه إظهار السلعة بصفة مرغوب فيها وهي خالية منها.
ومن أمثلة ذلك: ما يفعله بعض باعة الفواكه والخضار ونحوهما من وضع أوراق أو قش أو ألواح أو ما شابه ذلك في أسفل الوعاء، ثم وضع البضاعة فوقها. ليخيل إلى المشتري أنه مملوء بضاعة.
ومن ذلك أيضا وضع البضاعة الجيدة في أعلى الوعاء ووضع الرديء أسفله.
ومن ذلك عدم إطلاع المشتري على العيب الناتج عن اصطدام سيارة بأخرى، وصباغتها باللون الموافق للونها الأصلي فيظن المشتري أنها جديدة، فيزيد في قيمتها وهي قديمة مصدومة.
ومن ذلك أيضا: ما حدث في هذا العصر من تقليد العلامات التجارية المعروفة بالإتقان والجودة4.
إلى غير ذلك من أنواع التدليس وبالله التوفيق.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1- انظر الزيادة وأثرها في المعاوضات المالية لعبد الرءوف الكمالي 1/231.
2- فتح ذي الجلال والإكرام بشرح بلوغ المرام لابن عثيمين 3/598.
3- إعلام الموقعين بعناية مشهور حسن آل سلمان 3/224.
4- انظر فتح ذي الجلال والإكرام بشرح بلوغ المرام لابن عثيمين 3/598 وشرح عمدة الفقه لعبد الله بن عبد العزيز الجبرين 2/848.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *