من فقه البيوع النوع الثالث من البيوع المحرمة: بيوع الربا (الحلقة الثالثة) الحكمة في تحريم الربا وأضرار التعامل به ياسين رخصي

لا يزال حديثنا موصولا عن الربا وخطره، وقد نص العلامة ابن القيم رحمه الله على أن ما جاء من الوعيد في الربا لم يجئ مثله في كبيرة غيره، لهذا كان أكبر الكبائر(1)، فلا جرم أن تحريمه جاء لِحِكَم بالغة، ومصالح عظيمة، وعواقب حميدة تشهد على عظمة هذه الشريعة الكاملة الفاضلة، التي بهرت العقول حكمة ورحمة وعدلا وجلالة.

فلذلك نذكر في هذه الحلقة بعض الحِكَم في تحريم الربا، -وحِكَم الشرع أعظم من أن تحيط بها عقول البشر الضعيفة الناقصة، وعباراتهم العاجزة القاصرة- ثم نردف ذلك بذكر بعض أضرار التعامل بالربا.
الحكمة في تحريم الربا
1)ـ انتهاك حرمة مال المسلم بأخذ الزائد من غير عوض.
2)ـ الإضرار بالفقير لأن الغالب غنى المقرض وفقر المستقرض، فلو مُكِّن الغني من أخذ أكثر من المثل أضر بالفقير.
وهذا يضاد مقصود الشارع فإنه حث الغني على مواساة الفقير والإحسان إليه.
3)ـ انقطاع المعروف والإحسان الذي في القرض إذ لو حل درهم بدرهمين ما سمح أحد بإعطاء درهم بمثله.
4)ـ تعطل المكاسب والتجارات والحرف والصناعات التي لا تنتظم مصالح العالم إلا بها. إذ من يحصل درهمين بدرهم كيف يتجشم مشقة كسب أو تجارة(2).
5)ـ أن الله سبحانه وتعالى يشرع لعباده ما يربيهم على التراحم والتعاطف، وأن يكون كل منهم عونا للآخر لا سيما عند شدة الحاجة إليه، ولذلك حرم عليهم الربا الذي هو استغلال ضرورة إخوانهم، وأحل البيع الذي لا يختص الربح فيه بأكل الغني الواجد مال الفقير الفاقد، كما أن الله تعالى جعل طريق تعامل الناس في معايشهم قائما على أن يكون استفادة كل واحد من الآخر في مقابل عمل يقوم به نحوه أو عين يدفعها إليه. والربا خال من ذلك، لأنه عبارة عن إعطاء المال مضاعفا من طرف لآخر من غير مقابلة من عين ولا عمل(3).
من أضرار التعامل بالربا
1)ـ عدم قبول الصدقة من آكل الربا لأن كسبه خبيث وقد قال سبحانه: {وَلاَ تَيَمَّمُوا الْخَبِيثَ مِنْهُ تُنْفِقُونَ}(4)، وقال صلى الله عليه وسلم: “إن الله طيب لا يقبل إلا طيبا”(5).
2)ـ رد الدعاء، فلا يستجيب الله دعاء آكل الربا، فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “إِنَّ اللهَ تَعَالَى طَيِّبٌ لاَ يَقْبَلُ إِلاَّ طَيِّبَاً وَإِنَّ اللهَ أَمَرَ المُؤْمِنِيْنَ بِمَا أَمَرَ بِهِ المُرْسَلِيْنَ فَقَالَ: {يَا أَيُّهَا الرُّسُلُ كُلُوا مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَاعْمَلُوا صَالِحاً}(6)، وَقَالَ: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ}(7)، ثُمَّ ذَكَرَ الرَّجُلَ يُطِيْلُ السَّفَرَ أَشْعَثَ أَغْبَرَ، يَمُدُّ يَدَيْهِ إِلَى السَّمَاء،ِ يَا رَبِّ يَا رَبِّ، وَمَطْعَمُهُ حَرَامٌ، وَمَشْرَبُهُ حَرَامٌ، وَغُذِّيَ بِالحَرَامِ فَأَنَّى يُسْتَجَابُ لِذَلِكَ”(8).
3)ـ محق بركة العمر والكسب، قال تعالى: {يَمْحَقُ اللَّهُ الرِّبَا وَيُرْبِي الصَّدَقَاتِ}(9)، ومن ذلك أن الله يبتلي المرابي في نفسه، وماله، وولده بأنواع المصائب والمهالك.
4)ـ أكل الربا سبب للحرب من الله ورسوله صلى الله عليه وسلم، قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبَا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ، فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَإِنْ تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُءُوسُ أَمْوَالِكُمْ لَا تَظْلِمُونَ وَلَا تُظْلَمُونَ}(10)، ومن حاربه الله فإنه هالك لا محالة.
5)ـ أكل الربا موجب للعنة الله عز وجل ولعنة رسوله صلى الله عليه وسلم، فعن جابر رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “لَعَنَ الله آكِلَ الرِّبَا وَمُوكِلَهُ وَشَاهِدَيْهِ وَكَاتِبَهُ، هُمْ فِيهِ سَوَاء”(11).
6)ـ من مات وهو يتعامل بالربا كان ذلك من سوء الخاتمة التي يستحق صاحبها دخول النار، قال صلى الله عليه وسلم: “..فَوَالله الَّذِي لاَ إِلَهَ غَيْرُهُ إِنََّ أَحَدَكُمْ لَيَعْمَلُ بِعَمَلِ أَهْلِ الجَنَّةِ حَتَّى مَا يَكُونُ بَيْنَهُ وَبَيْنَهَا إلا ذِرَاعٌ فَيَسْبِقُ عَلَيْهِ الكِتَابُ فَيَعْمَلُ بِعَمَلِ أَهْلِ النَّارِ فَيَدْخُلُهَا”(12).
وبالله التوفيق.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1)- إعلام الموقعين (3/317).
(2)- الزواجر لابن حجر الهيتمي (1/180).
(3)- تفسير المنار (3/112108-).
(4)- سورة البقرة: 267.
(5)- رواه مسلم.
(6)- سورة المؤمنون: 51.
(7)- سورة البقرة: 172.
(8)- رواه مسلم.
(9)- سورة البقرة: 276.
(10)- سورة البقرة: 279-278.
(11)- رواه مسلم.
(12)- رواه البخاري ومسلم.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *