ويل للأعقاب من النار

حذر النبي صلى الله عيه وسلم من التهاون بأمر الوضوء والتقصير فيه مما يلزم منه إيجاب الإعتناء به وإصباغه، فقال في حق ذلك كما في حديث عائشة رضي الله عنها وغيرها: “ويل للأعقاب من النار” متفق عليه.
قال الناظم:
وأمر عائش روي عن التقات *** أن يسبغ الوضوء في الصلاة
ترفعه في خبر لها نمي *** فالويل للأعقاب من جهنم
قال ابن دقيق رحمه الله: “الحديث فيه دليل على وجوب تعميم الأعضاء بالمطهر” أحكام الأحكام.
و”ويل”: كلمة تقال لمن وقع في مهلة، وقيل هي المهلكة، وقيل هي المشقة، وقيل هي الحزن، وقيل واد في جهنم، قاله القاضي عياض رحمه الله، وقال الحافظ ابن حجر رحمه: “وهذا الأخير أظهرها” انظر الفتح.
و”الأعقاب”: جمع عقِـْب بكسر القاف وسكونها وهو مؤخر القدم انظر شرح الزرقاني على الموطأ، وفي رواية لمسلم “العراقيب” وهي: جمع عرقوب وهو العصبة التي فوق العقب، شرح مسلم للنووي.
وقال الحافظ في الفتح: “واللام في الأعقاب للعهد أي المرئية إذ ذاك ويلتحف بها ما يشاركها في ذلك”.
وقوله “من النار”: “من”: بيانية كقوله تعالى: ” َاجْتَنِبُوا الرِّجْسَ مِنَ الْأَوْثَانِ”.
“وقال البغوي رحمه الله معناه لأصحاب الأعقاب المقصرين في غسلها، وقيل أراد أن العقب يختص بالعقاب إذا قصر في غسلها. زاد عياض: فإن مواضع الوضوء لا تمسها النار كما في أثر السجود أنه محرم على النار. ويلحق بالأعقاب ما في معناها من جميع الأعضاء التي قد يحصل التساهل في إسباغها” قاله الزرقاني رحمه الله في شرحه على الموطأ.
والحديث كذلك دليل على إيجاب غسل الرجلين في الوضوء كما ذكر الفقهاء رحمهم الله تعالى (انظر العرف الناشر في شرح وأدلة فقه متن ابن عاشر)، ومن ثم فلا جواز مسحهما إذا لم يكن عليهما خفان أو جوربان كما قال الإمام الترمذي رحمه الله في سننه.
قال أبو بكر بن العربي رحمه الله: “تواتر غسل الرجلين ونقل خلفا عن سلف” أحكام القرآن.
وحد غسل الرجلين إلى الكعبين وتعميمهما هو معنى قول ابن عاشر رحمه الله:
وغسل وجه غسله اليدين *** ومسح رأس غسله الرجلين
والفرض عم مجمع الأنذنين *** والمرفقين عم والكعبين
والكعبان هما العظمان الناتئان في ملتقى الساق بالقدم من الجنبين من كل رِجل. انظر الفتح
قال القحطاني رحمه الله:
وكذلك الرجلان غسلهما معا *** فرض ويدخل فيهما الكعبان
لا تسمع قول الروافض إنهم *** من رأيهم أن تمسح الرجلان
وقال السلطان سيدي محمد العلوي في طبق الأرطاب: “وإذا غسل كعبيه فليدخل الكعبين في الغسل ويزيد فوقهما كذلك”.
ومما ينبغي أن ننتبه إليه عند غسل القدمين تخليل الأصابع لأنهما وما بينهما جزء من محل الفرض فيجب غسلهما كما أمر به صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح حيث قال: “أسبغ الوضوء وخلل الأصابع، وبالغ في الإستنشاق إلا أن تكون صائما”.
وقد ذكر ابن وهب رحمه الله أنه سمع مالكا رحمه الله ينكر التخليل قال: فأخبرته بالتخليل فرجع إلى وجوبه. انظر الاستذكار للحافظ ابن عبد البر رحمه الله.
ورجح الإيجاب من المالكية لظاهر الحديث: اللخمي وابن بزيزة وابن عبد السلام رحمهم الله. انظر جامع الأقوال والدلالات في أحكام العبادات على مذهب الإمام مالك.

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *