الحكيم الحكم الحاكم جل في علاه الحلقة السابعة والعشرون ناصر عبد الغفور

من أسماء الله تعالى: الحكيم الحكم والحاكم، قال جل وعلا: “وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ وَأَنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ حَكِيمٌ” (النور 10)، وقال سبحانه: “وَإِن يَتَفَرَّقَا يُغْنِ اللّهُ كُلاًّ مِّن سَعَتِهِ وَكَانَ اللّهُ وَاسِعاً حَكِيماً” (النساء 130)، وقال جل شأنه: “أَلَيْسَ اللَّهُ بِأَحْكَمِ الْحَاكِمِينَ” (التين 8)، وقال تعالى ذكره: “فَاصْبِرُواْ حَتَّى يَحْكُمَ اللّهُ بَيْنَنَا وَهُوَ خَيْرُ الْحَاكِمِينَ” (الأعراف 87)، وقال عز من قائل: “أَفَغَيْرَ اللّهِ أَبْتَغِي حَكَماً” (الأنعام 114)، وعن شريح بن هانئ مرفوعا: “إن الله هو الحكم وإليه الحكم” .

المعنى اللغوي:
هذه الأسماء الثلاث متقاربة المعاني :
فالحكم والحكيم بمعنى الحاكم؛ وهو القاضي، فهو فعيل بمعنى فاعل، أو هو الذي يُحكم الأشياء ويتقنها؛ فهو فعيل بمعنى مُفعل. وقيل: الحكيم ذو الحكمة، والحكمة عبارة عن معرفة أفضل الأشياء بأفضل العلوم، ويقال لمن يحسن دقائق الصناعات ويتقنها حكيم.
والحكيم يجوز أن يكون بمعنى الحاكم مثل قدير بمعنى قادر..
والحُكم: العلم والفقه، قال تعالى: “وَآتَيْنَاهُ الْحُكْمَ صَبِيّاً”، وهو كذلك القضاء بالعدل .
قال صاحب مختار الصحاح: والحُكم القضاء، وقد حكم بينهم يحكم بالضم حكما، وحكم له وحكم عليه، والحُكم أيضا الحكمة من العلم.. والحَكم بفتحتين الحاكم.. واحتكموا إلى الحاكم وتحاكموا بمعنى، والمحاكمة المخاصمة إلى الحاكم .
وقال الجوهري: الحُكم الحكمة من العلم، والحكيم العالم وصاحب الحكمة، وقد حكُم ككرم صار حكيما.
وقال الزجاج: الحكيم والحاكم بمعنى واحد وأصل حكم في الكلام المنع ، ويسمى الحاكم حاكما لأنه يمنع الخصمين من التظالم ، وحكمة الدابة؛ سميت حكمة لأنها تمنعها من الجماح.. قال أبو علي: ومثل مجيء حاكم وحكم بمعنى واحد، قول الناس: فلان سالم وسلم.. وكذلك قولهم: واسط ووسط .

المعنى في حق الله تعالى:
الحكم والحاكم:
قال الإمام الغزالي: “الحكم: هو الحاكم المحكم الذي لا راد لحكمه ولا معقب لقضائه، ومن حكمه في حق العباد أن ليس للإنسان إلا ما سعى وأن سعيه سوف يرى.. وإذا كان معنى الحكمة ترتيب الأسباب وتوجيهها إلى المسببات كان المتصف بها على الإطلاق حكما مطلقا، لأنه مسبب كل الأسباب جملتها وتفصيلها” .
قال الحليمي: “الحكم هو الذي له الحُكم وأصل الحكم منع الفساد، وشرائع الله تعالى كلها استصلاح للعباد” .
قال الإمام الطبري عند تفسير قوله تعالى: (أَفَغَيْرَ اللّهِ أَبْتَغِي حَكَماً..): “أي قل: فليس لي أن أتعدى حكمه وأتجاوزه لأنه لا حكم أعدل منه ولا قائل أصدق منه” .
وقال الإمام القرطبي في تفسيرها: “أفغير الله أطلب لكم حاكما” .
وقال السعدي: “أَفَغَيْرَ اللّهِ أَبْتَغِي حَكَماً” أحكم إليه وأتقيد بأوامره ونواهيه، فإن غير الله محكوم عليه لا حاكم، وكل تدبير وحكم للمخلوق فإنه مشتمل على النقص والعيب والجور، وإنما الذي يجب أن يتخذ حاكما هو الله وحده لا شريك له الذي له الخلق والأمر” .
وقال رحمه الله تعالى: “ومن أسمائه الحكم.. الذي يحكم بين عباده في الدنيا والآخرة بعدله وقسطه، فلا يظلم مثقال ذرة ولا يحمل أحدا وزر أحد ولا يجازي العبد بأكثر من ذنبه..” .
وقال الحافظ ابن كثير في تفسير قوله تعالى: (أَلَيْسَ اللَّهُ بِأَحْكَمِ الْحَاكِمِينَ): أي أما هو أحكم الحاكمين الذي لا يجور ولا يظلم أحدا..” .
قال ابن جرير الطبري في تفسير قوله تعالى: (فَاصْبِرُواْ حَتَّى يَحْكُمَ اللّهُ بَيْنَنَا وَهُوَ خَيْرُ الْحَاكِمِينَ): “والله خير من يفصل وأعدل من يقضي، لأنه لا يقع في حكمه ميل إلى أحد ولا محاباة لأحد”.
و قال القاسمي : (وَهُوَ خَيْرُ الْحَاكِمِينَ): لأنه منزه عن الجور في حكمه فسيجعل العاقبة للمتقين والدمار على الكافرين” .

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *