من فقه البيوع النوع الخامس من البيوع المحرمة البيوع المحرمة لأجل الضرر أو الغبن التسعير ياسين رخصي

عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: “غلا السِّعر بالمدينة على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال الناس: يا رسول الله: غلا السِّعر فسَعِّر لنا، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “إن الله هو المُسَعِّر القابض الباسط، الرازق، وإني لأرجوا أن ألقى الله تعالى، وليس أحد منكم يطلبني بمَظلَمة في دم ولا مال” رواه الخمسة إلا النسائي قال الحافظ في التلخيص: إسناده على شرط مسلم وقد صححه ابن حبان والترمذي.
من مسائل الباب
المسألة الأولى: مفردات الحديث
غلا السعر: أي ارتفع السعر عن الثمن المعتاد ارتفاعا كثيرا.
السِّعر: بالكسر: الذي يقوم عليه الثمن، الجمع: أسعار، وأسْعَروا وسَعَّروا تسعيرا: اتفقوا على سعر. كذا في القاموس المحيط1.
قال الشوكاني رحمه الله: التسعير هو أن يأمر السلطان أو نوابه أو كل من ولي من أمور المسلمين أمرَ أهل السوق ألا يبيعوا أمتعتهم إلا بسعر كذا، فيمنعوا من الزيادة عليه، أو النقصان لمصلحة.
المُسعِّر: فيه دليل على أن المسعر من أسماء الله تعالى وأنها لا تنحصر في التسعة والتسعين المعروفة، كذا في نيل الأوطار2.
القابض: القابض للأرزاق، المضيق بحكمته وعدله.
الباسط: الباسط للأرزاق، والموسع فيها بحكمته وفضله.
بمظلمة: بفتح الميم وكسر اللام هو ما يؤخذ بغير حق، وبفتح اللام مصدر ظلم.
المسألة الثانية: حكم التسعير
قال الشوكاني رحمه الله: وقد استدل بالحديث وما ورد في معناه على تحريم التسعير وأنه مظلمة. وجهه أن الناس مسلطون على أموالهم، والتسعير حجر عليهم، والإمام مأمور برعاية مصلحة المسلمين وليس نظره في مصلحة المشتري برخص الثمن أولى من نظره في مصلحة البائع بتوفير الثمن، وإذا تقابل الأمران وجب تمكين الفريقين من الاجتهاد لأنفسهم؛ وإلزام صاحب السلعة أن يبيع بما لا يرضى به مناف لقوله تعالى: “إِلاَّ أَن تَكُونَ تِجَارَةً عَن تَرَاضٍ مِّنكُمْ” وإلى هذا ذهب جمهور العلماء3.
وقال شيخ الإسلام رحمه الله: “..الشعير منه ما هو ظلم لا يجوز، ومنه ما هو عدل جائز، فإذا تضمن ظلم الناس وإكراههم بغير حق على البيع بثمن لا يرضونه، أو منعهم مما أباحه الله لهم فهو حرام، وإذا تضمن العدل بين الناس مثل إكراههم على ما يجب عليهم من المعاوضة بثمن المثل، ومنعهم مما يحرم عليهم من أخذ زيادة على عوض المثل فهو جائز، بل واجب.
فأما الأول: فمثل ما روى أنس قال: غلا السعر.. وذكر الحديث.
قال: فإذا كان الناس يبيعون سلعهم على الوجه المعروف من غير ظلم منهم وقد ارتفع السعر إما لقلة الشيء وإما لكثرة الخلق4، فهذا إلى الله، فإلزام الخلق أن يبيعوا بقيمة بعينها إكراه بغير حق.
وأما الثاني: فمثل أن يمتنع أرباب السلع من بيعها مع ضرورة الناس إليها إلا بزيادة على القيمة المعروفة، فهنا يجب عليهم بيعها بقيمة المثل ولا معنى للتسعير إلا إلزامهم بقيمة المثل، فيجب أن يلزموا بما ألزمهم الله به.
وأبلغ من هذا أن يكون الناس قد ألزموا ألا يبيع الطعام أو غيره إلا أناس معروفون، لا تباع تلك السلع إلا لهم ثم يبيعونها هم، فلو باع غيرهم ذلك منع. إما ظلما لوظيفة تؤخذ من البائع، أو غير ظلم لما في ذلك من الفساد، فههنا يجب التسعير عليهم بحيث لا يبيعون إلا بقيمة المثل، ولا يشترون أموال الناس إلا بقيمة المثل، بلا تردد في ذلك عند أحد من العلماء.. فالتسعير في مثل هذا واجب بلا نزاع، وحقيقة إلزامهم ألا يبيعوا أو يشتروا إلا بثمن المثل5.
وللبحث بقية وبالله التوفيق.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1- (2/112).
2- (4/105).
3- نيل الأوطار (4/105).
4- وهو ما يعبر عنه بـ: قلة العرض وكثرة الطلب.
5- مجموع الفتاوى ابن تيمية 28/75-77.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *