ليس عبثا ما يقع في هذا الكون من نزول بعض الأمراض وتسليط بعض الأوبئة وحدوث بعض الكوارث، مما يحوّل سيره العادي ونظامه الطبيعي إلى ذعر وهلع يصيب عماره، فيسعون إلى هنا وهناك لإيجاد أسباب العلاج.
وفي الحقيقة إن لذلك أسبابا يجهلها الغافلون ويتجاهلها الملحدون المعاندون، الطاعنون في حكمة الله تعالى البالغة، الذي إذا حرم شيئا أو نهى عنه بحكم شرعي اقتضت حكمته غالبا قذارة ذلك الشيء ونتنه الذي يترتب عليه ضرره، ولازلنا نسمع بين الفينة والأخرى ظهور وباء جديد لا يكاد الخبراء يجدون له دواء ومضادات حتى ينشأ وباء جديد أشد منه، فقد سمعنا من قبل عن جنون البقر وقريبا عن أنفلونزا الطيور ونحن اليوم نسمع عن أنفلونزا الخنازير، هذه الشريحة من الحيوان التي لا حيوان مثلها في قبح المنظر ونجاسة العين والمظهر.
ومن الطرائف عن قبح الخنزير أن أسد لقي خنزيرا فقال له الخنزير: بارزني، فقال له الأسد: ما أنت بكفء، فإن نالني منك سوء كان ذلك عارا علي، وإن قتلتك قتلت خنزيرا، فلم أحصل على حمد ولا في قتلي لك فخر، فقال له الخنزير: إن لم تبارزني لأعَرّفن السباع إنك جبنت عني، فقال الأسد: احتمال عار كذبك أيسر من تلطخ راحتي بدمك. (ذكره الدميري في حياة الحيوان).
فإن كان صحيحا ما تطايرت به وسائل الإعلام وقد قض مضجع الأنام من هذه الأنفلونزا فلا بد حينها من ربط الأسباب الكونية بمسبباتها.
فقد حرم الحكيم سبحانه وتعالى الخنزير في كتابه وحرمه نبيه في سنته وأجمع العلماء على نجاسته وحرمته إلا للضرورة.
حرمة أكل الخنزير
قال الله تعالى: {قُل لاَّ أَجِدُ فِي مَا أُوْحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّماً عَلَى طَاعِمٍ يَطْعَمُهُ إِلاَّ أَن يَكُونَ مَيْتَةً أَوْ دَماً مَّسْفُوحاً أَوْ لَحْمَ خِنزِيرٍ فَإِنَّهُ رِجْسٌ} الأنعام، قال الماوردي الضمير في قوله تعالى فإنه رجس عائد على الخنزير.
وقال تعالى: {إِنَّمَا حَرَّمَ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةَ وَالدَّمَ وَلَحْمَ الْخِنزِيرِ وَمَا أُهِلَّ بِهِ لِغَيْرِ اللّهِ فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلاَ عَادٍ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ إِنَّ اللّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ} البقرة.
وقال تعالى: {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالْدَّمُ وَلَحْمُ الْخِنْزِيرِ وَمَا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللّهِ بِهِ وَالْمُنْخَنِقَةُ وَالْمَوْقُوذَةُ وَالْمُتَرَدِّيَةُ وَالنَّطِيحَةُ وَمَا أَكَلَ السَّبُعُ إِلاَّ مَا ذَكَّيْتُمْ وَمَا ذُبِحَ عَلَى النُّصُبِ وَأَن تَسْتَقْسِمُواْ بِالأَزْلاَمِ ذَلِكُمْ فِسْقٌ} المائدة.
فالخنزير محرم بكل ما حواه من لحم وشحم وعظم..
قال القرطبي لا خلاف أن جملة الخنزير محرمة إلا الشعر فإنه يجوز الخرازة به.
نجاسة الخنزير
مر معنا في الآية السابقة ما يدل على نجاسة الخنزير، وفي الحديث قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “من لعب بالنردشير فكأنما صبغ يده في لحم خنزير ودمه” رواه مسلم.
ونقل ابن المنذر الإجماع على نجاسته، وعده ابن رشد من الأعيان المتفق على نجاستها.
حرمة بيع الخنزير
روى أبو داود من حديث أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: “إن الله عز وجل حرم الخمر وثمنها وحرم الخنزير وثمنه”.
حرمة اقتناء الخنزير
أخرج البخاري ومسلم وغيرهما عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال والذي نفسي بيده ليوشك أن ينزل فيكم ابن مريم عليه السلام حكما مقسطا فيكسر الصليب، ويقتل الخنزير، ويضع الجزية، ويفيض المال حتى لا يقبله أحد.
قال الخطابي في قوله: “يقتل الخنزير” دليل على وجوب قتل الخنازير وبيان أن أعيانها نجسة”.
وقد قال الفقهاء إنه لا يجوز اقتناء الخنزير سواء كان يعدو على الناس أو لم يكن يعدو، فإذا كان يعدو وجب قتله قطعا.
فبعد كل هذا لا يستغرب أبدا نزول الوباء الذي لم تكن تعرفه أمم قلبنا بمن استحل بيع الخنزير وأكل لحمه ودمه أيضا.
هذه هي سنة الله الكونية فيمن يخالف سننه الشرعية، عافانا الله.