سلسلة التوحيد عند الصوفية فتح العلي بتوضيح معنى الولي (الحلقة الرابعة)

: أبومحمد عادل خزرون التطواني
معتقد أهل السنة والجماعة في الأولياء
أهل السنة والجماعة( 1) وسط بين طرفي نقيض في هذه المسألة، وذلك بين من غلا في حق الأولياء، ورفعهم فوق منزلتهم، وأعطاهم شيئاً من خصائص الألوهية؛ وزاد في تعظيمهم، وبين من فرّط في حقهم وتساهل فيه.
فكانوا خيار الناس، وأعدل الناس، وأوسط الناس، ويبرز ذلك من خلال ما بينوه ووضحوه في هذه المسألة المهمة، والتي وقع الكثير من الناس في مهاوي الشرك بسببها.
فولي الله ليس شرطاً أن يكون معصوماً لا يخطئ، بل يجوز أن يخفى عليه بعض علم الشريعة، وأن يشتبه عليه بعض أمور الدين، وأن يظن في بعض الخوارق أنها من الكرامات، وتكون من الشيطان لبّسها عليه؛ لنقص درجته. ولا يجب على الناس الإيمان بكل ما يقوله إلا أن يكون نبياً، بل لا يعتمد على ما يُلقى إليه في قلبه، وعلى ما يقع له مما يراه إلهاماً( 2) ومحادثة(3 ) وخطاباً(4 ) من الحق، بل يجب عليه أن يعرض ذلك جميعه على ما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم فإن وافقه قبله، وإن خالفه لم يقبله، وإن لم يعلم أموافق أم مخالف توقف عنه.
والناس فيمن يظنون ولايته على ثلاثة أصناف، طرفين ووسط:
1- فمنهم: من إذا اعتقد في شخص أنه ولي الله، وافقه في كل ما يظن أنه حدثه به قلبه عن ربه، وسلّم إليه جميع ما يفعله وهو حال متصوفة بلدنا.
2- ومنهم: من إذا رآه قد قال أو فعل، ما ليس موافقاً للشرع، أخرجه عن ولاية الله بالكلية وإن كان مجتهداً مخطئاً.
3- وخير الأمور أوسطها: ألا يجعل معصوماً ولا مأثوماً إذا كان مجتهداً مخطئاً، فلا يتبع في كل ما يقوله، ولا يحكم عليه بالكفر والفسق مع اجتهاده.
فأهل السنة والجماعة يعتقدون: أن الواجب على الناس اتباع ما بعث الله به رسوله، وأما إذا خالف قول بعض الفقهاء، ووافق قول آخرين، لم يكن لأحد أن يلزمه بقول المخالف ويقول هذا خالف الشرع، كما أن أي أحد ادّعى، أو ادّعى له أصحابه، أنه ولي لله، وأنه مخاطب يجب على أتباعه أن يقبلوا منه كل ما يقوله، ولا يعارضوه ويسلموا له حاله من غير اعتبار الكتاب والسنة، فهم وهو مخطئون.
فالأولياء مهما بلغوا من صلاح الحال ومن التقرب إلى الله. فإنهم بشر ليسوا معصومين وإنما مستعصمين بكتاب الله وسنة رسوله. وقد اتفق سلف الأمة، وأئمتها على أن كلاً يؤخذ من قوله ويترك إلا رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ وأن الولي لله تعالى لا يكون وليا إلا أن يكون موافقا في جميع أحواله للكتاب والسنة ظاهرا وباطنا، بمعنى أن لا يرى جواز الزيادة في الدين والتبديل فيه وأن المعرض عنهما لا يسمى وليا وإنما يوصف بما وصفه به رسول الله: (وأيم الله لقد تركتكم على مثل البيضاء، ليلها كنهارها [وفي رواية] لا يزيغ عنها بعدي إلا هالك)5 ، وقد قال صلى الله عليه وسلم: (كل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار)6 فيصح تسميته (هالكا) أو (ضالا)، أما أن يبتدع في دين الله ويسمى وليا فلا وإن بلغ بعبادته ما بلغ.
فالمشهور عند أهل السنة من أصول الاعتقاد: أنه لا أحد بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم معصوم من الذنوب والخطايا7 كما أنه: (ليس من شروط ولي الله أن يكون معصوما لا يغلط ولا يخطئ؛ بل يجوز أن يخفى عليه بعض علم الشريعة، ويجوز أن يشتبه عليه بعض أمور الدين)8.
فلو ذكر الرجل الله سبحانه وتعالى دائما ليلا ونهارا مع غاية الزهد، وعبده مجتهدا في عبادته ولم يكن متبعا لذكره الذي أنزله -وهو القرآن- كان من أولياء الشيطان)9 .
فأساس الولاية الحقة هو السير على منهج القرآن والسنة، والتمسك بهما.
وما يزعمه بعض المبتدعة من أن جبريل نزل بعلم الشريعة، فلما تقرر نزل بعلم الحقيقة وهو علم الباطن10 ، فإن هذا دعوة إلى غير الله ورسوله صلى الله عليه وسلم الذي أوصانا بالتمسك بكتاب الله وسنته، ولن نزال على الهدى ما تمسكنا بهما. وما سواهما فهو ضلالة وَأَنَّ هَـذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلاَ تَتَّبِعُواْ السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَن سَبِيلِهِ)11.
فيجب على أولياء الله الاعتصام بالكتاب والسنة12 .

ــــــــــــــــــــــــــــــــــ

  1. – هم: المستمسكون بسنة الرسول صلى الله عليه وسلم الذين اجتمعوا على ذلك وهم الصحابة والتابعون وأئمة الهدى المتبعون لهم ومن سك سبيلهم في الاعتقاد والقول والعمل إلى يوم الدين، انظر: بحوث في عقيدة أهل السنة والجماعة، ناصر العقل، ص:17. 
  2. – الإلهام: ما يخلقه الله تعالى في القلب ابتداء من غير سبب ظاهر، انظر: الجامع لأحكام القرآن، للقرطبي 10/133، وانظر: فتح القدير للشوكاني 3/175 .
  3. – المحادثة: من ألقي في روعه شيء من قبل الملأ الأعلى، فيكون كالذي حدثه غيره به، وقيل من يجري الصواب على لسانه من غير قصد، انظر: فتح الباري لابن حجر، كتاب فضائل أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، باب مناقب عمر بن الخطاب 7/61، رقم الحديث: 3562.
  4. – المخاطبة: ما يجري للعبد من سماع ما لا يسمعه غيره، انظر: الفرقان بين أولياء الرحمن وأولياء الشيطان ابن تيمية ص:84 . 
  5. – رواه أحمد 4: 126 وابن ماجة رقم 4 ورقم 35 والترمذي 2676 وصححه الألباني في الصحيحة 937 و688.
  6. – رواه أبو داود 4607 والترمذي 2678، وقال الشيخ الألباني إسناده صحيح؛ أحكام الجنائز:43.
  7. – جامع الرسائل 1/266 ومختصر الفتاوى المصرية 100.
  8. – الفرقان بين أولياء الرحمن وأولياء الشيطان 48-49.
  9. – مجموع فتاوى أبن تيمية 11/173.
  10. – ايقاظ الهمم لابن عجيبة.
  11. – الأنعام:153
  12. – انظر: الفرقان بين أولياء الرحمن وأولياء الشيطان لابن تيمية ص: 144-180 .

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *