الهدية الهادية لقناة الفجر الفضائية (الحلقة الأولى) ذ.محمد أبوالفتح

بعد تتابع المشائخ على إنكار قراءة القرآن على المقامات الموسيقية، خصص مدير قناة الفجر حصة للرد على المشائخ الذين انتقدوا قناته، وحاول أن يرد عليهم في 13 محورا، قدم لها بمقدمة، فظهر لي ضعف ما استدل به، ورأيت أن أقدم له نصيحة بما له علي من حق الأخوة فأقول مستعينا بالله، وموجها الخطاب إليه :

• من المقدمة:
– وصفُك يا أخي للحملة التي شنها المشائخ بأنها “حملة عشوائية”، وقولك :”الذين أحدثوا الزوبعة أفراد وأنا كيان”، و”الكيان لا ينزل إلى مستوى الأفراد”، هذه العبارات فيها شيء من الغرور، وقلة الأدب مع أهل العلم والفضل الذين أنكروا عليك قراءة القرآن بالمقامات، فكان الأولى بك أن تتأدب معهم -وإن صدر منهم ما يسوؤك- فإن منهم من هو في طبقة شيوخك، وفي سن آبائك.
– قولك عن هذه الحملة “لم أسمعها ولن أسمعها” خطأ كبير يدل على أنك مصمم على ما أنت عليه، فأنا أنصحك -يا أخي- بسماعها بتجرد ما دامت مسجلة عندك في “الكونترول”، فربما يظهر لك رأي آخر.
– قصتك مع المقامات ومرورك من مرحلة الإنكار إلى مرحلة التبني لا تُغني شيئا في هذا المقام؛ لأن هذه المراحل نفسها يمكن أن يمر بها منكر الباطل ابتداء قبل أن يرتد على عقبيه، واسْأَلْ إِنْ شِئْتَ مَنْ تَشَيَّع من أهل السنة (صاحب كتاب “كيف اهتديت” مثلا)، ومن تنصر من المسلمين، فاللهم مُقَلِّبَ القلوب ثبت قلوبنا على دينك.

• المحور الأول: قولك :إن الله تعالى تكفل بحفظ القرآن: فلا أحد يجوز له أن ينصب نفسه حافظا لكتاب الله

أقول: لا أحد -يا أخي- ادعى أن حفظ الكتاب موكول إليه، لا الشيخ المعصراوي ولا غيره، فالجميع يعلم أن الله تعالى قد تكفل بحفظ كتابه، إلا أن الله قد هيأ لهذا الحفظ أسبابا، ومن جملة هذه الأسباب قوم اصطنعهم الله لنفسه، وجندهم تعالى لهذا الأمر، فنذروا أعمارهم لحفظ كتاب الله وسنة نبيه كما في الحديث: «يَحْمِلُ هَذَا العِلْمَ مِنْ كُلِّ خَلَفٍ عُدُولُه، يَنْفُونَ عَنْهُ تَحْرِيفَ الغَالِينَ، وَانْتِحَالَ المُبْطِلِينَ، وَتَأْوِيلَ الجَاهِلِينَ» . فهؤلاء الذين اصطفاهم الله تعالى لهذا الأمر ليسوا في حاجة إلى اعترافٍ من أَحَدٍ، وإنما يُعرفون بجِهادهم وجهودهم في الذب عن الكتاب والسنة.

• المحور الثاني: قولك: الناس أعداء ما جهلوا
* أولا: هذه جرأة عظيمة منك يا أخي، جعلتك تصف العلماء الذين خالفوك بوصفين أحدهما أقبح من الآخر:
1- الجهل.
2- القول على الله بغير علم، وهذا أقبح من الأول.
وفي هؤلاء العلماء من أهل العلم والفضل، ومن المتقدمين والمتأخرين، من لا يمكن أن أقارن به أنا ولا أنت.
* ثانيا: صحيح أن الناس ربما عادوا الشيء بسبب جهلهم به، ولكن هل هذا يعني أن كل من عادى شيئا فهو جاهل به؟ ألا يحتمل أن يكون عاداه لأنه علم عنه ما لم يعلمه غيره؟!
فالحال الأولى -أعني معاداة الشيء عن جهل- حال عوام الناس، والحال الثانية -أعني معاداة الشيء عن علم- حال العلماء الراسخين.
فهل الذين خالفوك في هذه القضية تعتبرهم من الصنف الأول (العوام الجهال) أم من الصنف الثاني (العلماء الراسخين)؟!

• المحور الثالث: الحكم على الشيء فرع عن تصوره
* أولا: هذا تأكيد لما ادعيته من أن المخالفين لك حكموا وأفتوا عن جهل بالمسألة وعدم تصور لها، وهذه جرأة على العلماء كما تقدم.
*ثانيا: ما ذكرته عن الشيخ المعصراوي من كونه كان يُقر المقامات، ويصححها للقراء، هذا -إن صح- فهو منقبة من مناقب هذا الشيخ لأن الرجوع إلى ما تبين له من الحق فضيلة، ومن جهة أخرى فهذا يدل على أنه أنكر هذه المقامات عن علم بها ومعرفة، وليس عن جهل.
وكذاك ما ذكره الشيخ أيمن سويد عن المقامات في قناة الحكمة يدل على أن الرجل قد كلف نفسه التعمق في البحث عن حقيقة هذه المقامات، فارجع إليه غير مأمور.
*ثالثا: هذه القاعدة: -الحكم على الشيء فرع عن تصوره- مسلم بها، ولكنَّ المخالفين لك يرون أنها حجة عليك؛ لأننا ندعي أنك لم تتصور المقامات تصورا صحيحا، ولذلك تبنيتها في قناتك.

• المحور الرابع: تعريفك المقامات
الواجب هو الرجوع في كل فن إلى تعريف أهل الاختصاص، ولا يجوز لكل أحد أن يضع تعريفا لنفسه.
فكان الأولى بك -يا أخي- أن ترجع إلى تعاريف أهل الاختصاص؛ لتعرف حقيقة المقامات، ولتتصورها تصورا صحيحا، ثم تحكم عليها فيما بعد.
ولو فتح هذا الباب لضاعت العلوم والصناعات، ولجاء من يقول: الحديث الصحيح عندي كذا وكذا، والحديث الحسن عندي كذا وكذا..

• المحور الخامس: قولك: هل كانت المقامات على عهد النبي صلى الله عليه وسلم؟
-أجبت بقولك: هل كان التجويد على عهد النبي صلى الله عليه وسلم؟
– فالجواب: نعم لم تكن قواعد التجويد على عهد النبي صلى الله عليه وسلم، لكنها قواعد أخذت بالسماع بالاستقراء من تلاوته عليه الصلاة والسلام، ومن اللسان العربي الذي نزل به القرآن، ثم أعطى العلماء لكل قاعدة مصطلحا يدل عليها، فمن طبق تلك القواعد رجع به لسانه إلى النطق الذي نزل به القرآن، وهذا من تمام حفظ الله تعالى لكتابه، أن هيأ قوما تتبعوا الحروف ومخارجها وصفاتها، ووقفوا عند كل حرف فشَرَّحوه تشريحا، حتى لا يزل اللسان عند النطق به، وحتى يتحقق قوله تعالى: {إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون}.
هذا فيما يخص التجويد، وأما المقامات فأخذت بالسماع عن طريق تتبع واستقراء ألحان الغناء والموسيقى الشرقية والغربية، العربية والأعجمية، فأعطَوا لكل لحن اسما يعرف به عند أصحابه.
فالحاصل هو أن التجويد مأخوذ من التلاوة النبوية للقرآن الكريم، وأما المقامات فهي مأخوذة من الموسيقى والغناء، فهل يستويان مثلا؟!
وهل يليق أن يكون هذا العلم الموسيقي حاكما على كتاب رب البرية؟!
وأنت تعلم أن لكل من القرآن والموسيقى أهلين وأصحاب، فأهل القرآن أهل الله وخاصته من خلقه، وأهل الموسيقى والغناء أهل فسق ومجون، فكيف يجتمعان؟! وصدق ابن القيم حين قال:
حُبّ الكتاب وحُبّ ألحان الغناء *** في قلب عبد ليس يجتمعان

• المحور السادس: قولك :كل قارئ يقرأ بمقام
ليتك سمعت كلام المخالفين لك، فإنهم يفرقون بين التغني السليقي، وبين تقصد وتكلف موافقة الأوزان الموسيقية.
فقد سئل الإمام أحمد عن قراءة القرآن بالألحان فقال: “هو بدعة ومحدث”، قيل: تكرهه يا أبا عبد الله؟ قال: نعم، أكرهه، إلا ما كان من طبع، كما كان أبو موسى، فأما من يتعلمه بالألحان فمكروه” (الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر للخلال: 207).
وقال الإمام ابن القيم رحمه الله: “التطريب والتغني على وجهين:
– أحدهما: ما اقتضته الطبيعة وسمحت به من غير تكلف ولا تمرين ولا تعليم بل إذا خلي وطبعه واسترسلت طبيعته جاءت بذلك التطريب والتلحين فذلك جائز..
– الوجه الثاني: ما كان من ذلك صناعة من الصنائع وليس في الطبع السماحة به بل لا يحصل إلا بتكلف وتصنع وتمرن كما يتعلم أصوات الغناء بأنواع الألحان البسيطة والمركبة على إيقاعات مخصوصة وأوزان مخترعة لا تحصل إلا بالتعلم والتكلف فهذه هي التي كرهها السلف وعابوها وذموها ومنعوا القراءة بها وأنكروا على من قرأ بها”. (زاد المعاد 1/463).
وللحديث بقية…

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *