اقتنيت من بعض المكتبات كتابا بعنوان “أسماء حسنى غير الأسماء الحسنى” للدكتور عقيل حسين عقيل ؛ ولكوني كثير الاهتمام بهذا الباب العظيم من أبواب العقيدة ألا وهو باب الأسماء، فقد فرحت بهذا الكتاب حيث ظننت أنه سيكون مصدرا جديدا ومرجعا أثري به مكتبتي الخاصة، وكم كانت الصدمة كبيرة حينما وصلت إلى المنزل وتصفحته..
فقد وجدته مخالفا تماما لما عهدته في الكتب التي اختصت بموضوع الأسماء الحسنى، ضاربا بعرض الحائط الأصول والقواعد المعتمدة في هذا الباب، مما جعلني -من باب الأمانة العلمية- أقرر الوقوف على بعض الأخطاء والمخالفات سواء العقدية أو المنهجية التي حواها هذا الكتاب وإن كان بيان كل ما فيه من الأخطاء والمخالفات يحتاج إلى صفحات، لكن أكتفي بإشارات، ولعل الله يقيض من ينخله نخلا.
1- مخالفته لمذهب أهل السنة والجماعة في باب الأسماء وهو أنها توقيفية لا مجال للآراء والعقول فيها:
فقد صرح الكاتب باجتهاده في استخراج ما ضمنه في كتابه من الأسماء، حيث قال في مقدمته: “ولذا فتح باب الاجتهاد في الأسماء الحسنى المرتبطة في الأفعال والصفات..”.-ص11-
ولا ريب أن هذا قول مردود، فلا مجال للرأي أو الاجتهاد في أسماء الله تعالى فلا نثبت له سبحانه من الأسماء إلا ما أثبته لنفسه في كتابه أو على لسان رسوله صلى الله عليه و سلم في سنته.
يقول العلامة ابن عثيمين رحمه الله تعالى: “وعلى هذا فيجب الوقوف فيها على ما جاء به الكتاب والسنة فلا يزاد فيها ولا ينقص لأن العقل لا يمكنه إدراك ما يستحقه تعالى من الأسماء فوجب الوقوف في ذلك على النص، لقوله تعالى: “ولا تقف ما ليس لك به علم إن السمع والبصر والفؤاد كل أولئك كان عنه مسؤولاً” اهــ .
فلا سبيل للاجتهاد في أسماء الله تعالى لا نفيا ولا إثباتا فالمرجع هو النص من كتاب أو سنة، فإثبات اسم لله جل وعلا لم يرد في الكتاب أو السنة أو نفي اسم ثابت له سبحانه من التقول على الله بغير علم، وهذا من أعظم المحرمات، يقول الله تعالى: “قل إنما حرم ربي الفواحش ما ظهر منها وما بطن والإثم والبغي بغير حق وأن تشركوا بالله ما لم ينزل به سلطانا وأن تقولوا على الله ما لا تعلمون”.
والتوقف في باب الأسماء هو مذهب أهل السنة خلافا لمن خالفهم كالمعتزلة.
يقول الخازن رحمه الله تعالى في اللباب: “قال العلماء: وكما يجب تنزيه الله عن جميع النقائص فكذلك يجب تنزيه أسمائه أيضاً وقوله سبحانه وتعالى: (فادعوه بها) يعني ادعوا الله بأسمائه التي سمى بها نفسه أو سماه بها رسوله ففيه دليل على أن أسماء الله تعالى توقيفية لا اصطلاحية، ومما يدل على صحة هذا القول ويؤكده أنه يجوز أن يقال يا جواد ولا يجوز أن يقال يا سخي، ويجوز أن يقال يا عالم ولا يجوز أن يقال يا عاقل..” اهــ.
ويقول الإمام البغوي في تفسيره: “وجملته: أن أسماء الله تعالى على التوقيف، فإنه يسمى جوادا ولا يسمى سخيا، وإن كان في معنى الجواد، ويسمى رحيما ولا يسمى رفيقا، ويسمى عالما ولا يسمى عاقلا وقال تعالى: “يخادعون الله وهو خادعهم” (النساء 142)، وقال عز من قائل: “ومكروا ومكر الله” (آل عمران-54)، ولا يقال في الدعاء: يا مخادع، يا مكار، بل يدعى بأسمائه التي ورد بها التوقيف على وجه التعظيم، فيقال: يا الله، يا رحمن، يا رحيم، يا عزيز، يا كريم ونحو ذلك.” -اهـ.
و لعل ما ذكره بعض أصحاب التراجم في ترجمة الإمام أبي الحسن الأشعري رحمه الله تعالى وأعني تلك المناظرة التي جرت بينه وبين الجبائي المعتزلي من أروع الأمثلة على أنه لا سبيل للعقل في باب الأسماء.
“فقد كان أبو الحسن الأشعري يرى أن أسماء الله توقيفية -بخلاف شيخه الجبائي- فمرة دخل رجل على الجبائي، فقال له: هل يجوز أن يسمى الله تعالى عاقلاً فقال الجبائي: لا لأن العقل مشتق من العقال، وهو المانع، والمنع في حق الله محال، فامتنع الإطلاق، فقال أبو الحسن الأشعري: فقلت له: فعلى قياسك لا يسمى الله سبحانه حكيماً لأن هذا الاسم مشتق من حكمة اللجام وهي الحديدة المانعة للدابة عن الخروج، ويشهد لذلك قول حسان بن ثابت رضي الله عنه:
فنحكم بالقوافي من هجانا —– ونضربُ حين تختلط الدماء
وقول الآخر:
أبني حنفية حكموا سفهاءكم —– إني أخاف عليكمو أن أغضبا
أي نمنع بالقوافي من هجانا، وامنعوا سفهاءكم .
فإذا كان اللفظ مشتقاً من المنع، والمنع على الله محال، لزمك أن تمنع إطلاق (حكيم) على الله سبحانه وتعالى.
قال: فلم يجب الجبائي إلا أنه قال لي: فلم منعت أنت أن يسمى الله سبحانه عاقلاً وأجزت أن يسمى حكيماً؟
قال: فقلت له: لأن طريقي في مأخذ أسماء الله الإذن الشرعي دون القياس اللغوي فأطلقت حكيماً لأن الشرع أطلقه، ومنعت عاقلاً لأن الشرع منعه، ولو أطلقه الشرع لأطلقته. ا هــــ.