التقصير في فهم كتاب الله -2-

إن مما يجلي لنا أهمية الوقوف على معاني مراد الله سبحانه وتعالى في كتابه الكريم، وأثر ذلك على السلوك، ما حكاه سبحانه وتعالى عن كفار قريش، فحين أدركوا ما للقرآن الكريم من أثر على من يفهم معانيه، سعوا جاهدين إلى الحيلولة بينه وبين أن يسمعه أتباعهم أو يقرأوه، فتواصوا على اللغو فيه لصرف الناس عنه، قال تعالى حكاية عنهم: {وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لا تَسْمَعُوا لِهَذَا الْقُرْآنِ وَالْغَوْا فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَغْلِبُونَ}.
وفي العصر الحاضر تنوعت أنواع الصد عن فهم كتاب الله تعالى، فمن ذلك الحرب الشرسة على اللغة العربية الفصحى، وإحلال العامية بدلا عنها، أو تعظيم لغة أخرى عليها كاللغة الإنجليزية أو الفرنسية، وصوارف وملهيات أخرى كثيرة، لا يتسع المقام هنا لبيانها.
وقد ورد من الآثار عن الصحابة رضوان الله عليهم ما يبين خطورة القراءة السريعة التي لا يحرص فيها المسلم على فهم كتاب ربه، فعن الشعبي قال: «قال عبد الله بن مسعود رضي الله عنه: لا تهذوا القرآن كهذِّ الشِّعر، ولا تنثروه نثر الدقَل، وقفوا عند عجائبه، وحركوا به القلوب».
وقال حذيفة بن اليمان رضي الله عنه: «إن من أقرأ الناس منافق لا يترك واوا ولا ألفا، يلفته بلسانه كما تلتفت البقرة الخلا بلسانها لا يتجاوز ترقوته».
وعن عبد الله بن عمر رضي الله عنه قال: «لقد عشنا برهة من دهرنا وأحدنا يؤتى الإيمان قبل القرآن، وتنزل السورة على محمد صلى الله عليه وسلم فنتعلم حلالها وحرامها وآمرها وزاجرها، وما ينبغي أن يقف عنده منها، كما تعلمون أنتم اليوم القرآن، ثم لقد رأيت اليوم رجالا يؤتى أحدهم القرآن قبل الإيمان، فيقرأ ما بين فاتحته إلى خاتمته ما يدري ما آمره ولا زاجره! ولا ما ينبغي أن يقف عنده منه فينثره نثر الدقل!».
وتأمل كما يرمى الدَّقَل -بفتحتين- وهو رديء التمر، فإنه لرداءته لا يحفظ ويلقى منثورا، وقال في النهاية: «أي كما يتساقط الرطب اليابس من العذق إذا هُز»، و قال الحسن البصري رحمه الله: «إن من قبلكم رأوا القرآن رسائل من ربهم، فكانوا يتدبرونها بالليل، وينفذونها بالنهار».
يتبع..

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *