يعتقد كثير من الناس أن الإسراء والمعراج بالنبي صلى الله عليه وسلم كان في ليلة 27 من شهر رجب، فيبنون على ذلك الاحتفال بذكراه في هذه الليلة، وتخصيصها بأنواع من العبادات والقربات. فهل ثبت الإسراء والمعراج في هذه الليلة؟
اختلف أهل العلم في تحديد السنة والشهر واليوم الذي وقعت فيه حادثة الإسراء والمعراج بالنبي صلى الله عليه وسلم.
– فروى ابن سعد في الطبقات (1/213-214) من طريق محمد بن عمر الواقدي بأسانيده إلى عبد الله بن عمرو بن العاص، وأم سلمة، وعائشة، وأم هانئ، وابن عباس دخل حديث بعضهم في بعض أنهم قالوا: أسري برسول الله صلى الله عليه وسلم ليلة سبع عشرة من شهر ربيع الأول قبل الهجرة. ولكن الواقدي متروك.
– وأسند ابن عبد البر في التمهيد (8/50)، والبيهقي في دلائل النبوة (2/354) من طريق موسى بن عقبة، عن الزهري أنه قال: أسرى برسول الله صلى الله عليه وسلم قبل خروجه إلى المدينة بسنة. وهذا ضعيف مرسل. فمرسلات الزهري شبه الريح، كما قال يحيى بن سعيد القطان.
– وأسند ابن عبد البر أيضا (8/51-52) من طريق يونس بن بكير قال حدثنا عثمان بن عبد الرحمن عن الزهري: قال فرضت الصلاة بمكة بعد ما أوحى الله إلى النبي صلى الله عليه وسلم بخمس سنين. عثمان بن عبد الرحمن هو الوقاصي متروك.
– وأسند البيهقي في الدلائل أيضا (2/354-355 ) من طريق ابن لهيعة، عن أبى الأسود، عن عروة مثل قول الزهري الأول، أي: قبل الهجرة بسنة. و هو مرسل أيضا وفي إسناده ابن لهيعة.
– وروى البيهقي أيضا في دلائل النبوة (2/355) من طريق أحمد بن عبد الجبار، عن يونس بن بكير، عن أسباط بن نصر، عن إسماعيل السدي أنه قال: فرض على رسول الله صلى الله عليه وسلم الخمس ببيت المقدس ليلة أسرى به، قبل مهاجره بستة عشر شهرا. وهذا أيضا مرسل وفي رجال إسناده ضعف.
– قال ابن كثير في البداية والنهاية (3/109): فعلى قول السدي يكون الإسراء في شهر ذي القعدة، وعلى قول الزهري وعروة يكون في ربيع الأول.
– ثم قال: “وقال أبو بكر بن أبى شيبة: حدثنا عثمان، عن سعيد بن ميناء، عن جابر وابن عباس، قالا: ولد رسول الله صلى الله عليه وسلم عام الفيل يوم الاثنين الثاني عشر من ربيع الأول، وفيه بعث، وفيه عرج به إلى السماء، وفيه هاجر، وفيه مات”. قال ابن كثير: “فيه انقطاع. وقد اختاره الحافظ عبد الغنى بن سرور المقدسي في سيرته، وقد أورد حديثا لا يصح سنده، ذكرناه في فضائل شهر رجب، أن الإسراء كان ليلة السابع والعشرين من رجب والله أعلم. ومن الناس من يزعم أن الإسراء كان أول ليلة جمعة من شهر رجب، وهي ليلة الرغائب التي أحدثت فيها الصلاة المشهورة، ولا أصل لذلك. والله أعلم”.
– وقال الإمام أبو الخطاب بن دحية: “ذَكَر بعْض القصاص أن الإسراء كانَ في رجب، وذلك عنْد أهل التعديل والتجريح عيْن الكذب” (أداء ما وجب ص:53-54)، ونقل ذلك عنه مقرا له الحافظ ابن حجر في تبيين العجب.
هذا ما وقفت عليه من الأقوال التي تروى بالأسانيد إلى الصحابة والتابعين، وليس فيها شيء ثابت صحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم.
وهناك أقوال أخرى لم أقف لها على زمام ولا خطام (أي: إسناد)، تزيد على عشرة أقوال، ذكرها الحافظ ابن حجر في الفتح (7/203)، والسيوطي في الآية الكبرى في شرح قصة الإسراء (ص:36)، منها: أن الإسراء كان قبل البعثة (قال ابن حجر والسيوطي: وهو شاذ)، وقيل: قبل الهجرة بثمانية أشهر، وقيل: بستة أشهر، وقيل: بأحد عشر شهرا، وقيل: بخمسة عشر شهرا، وقيل: بسبعة عشر شهرا، وقيل: بثمانية عشر، وقيل: بعشرين شهرا، وقيل: بثلاث سنين، وقيل بخمس سنين، وقيل غير ذلك.
وأما الشهر الذي كان فيه الإسراء، فقيل في ربيع الأول، وقيل في ربيع الآخر، وقيل: في رجب، وقيل في رمضان، وقيل في شوال.
وأحسن هذه الأقوال إسنادا -وإن كانت كلها ضعيفة- ما رواه موسى بن عقبة عن الزهري أن الإسراء كان قبل الهجرة بسنة، فإن صح هذا يكون في ربيع الأول.
قال الشيخ الألباني رحمه الله بعد أن ذكر الاختلاف في تحديد ليلة الإسراء: “..وفي ذلك ما يشعر اللبيب أن السلف ما كانوا يحتفلون بهذه الليلة، ولا كانوا يتخذونها عيداً، لا في رجب، ولا في غيره ولو أنهم احتفلوا بها، كما يفعل الخلف اليوم، لتواتر ذلك عنهم، ولتعينت الليلة عند الخلف، ولم يختلفوا هذا الاختلاف العجيب” (حاشية أداء ما وجب ص:54).
فلا يجوز تخصيص ليلة الإسراء -لو ثبتت- بشيء من العبادات، فكيف وهي لم تثبت.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: “ولا يعرف عن أحد من المسلمين أنه جعل لليلة الإسراء فضيلة على غيرها، لا سيما على ليلة القدر، ولا كان الصحابة والتابعون لهم بإحسان يقصدون تخصيص ليلة الإسراء بأمر من الأمور ولا يذكرونها، ولهذا لا يعرف أي ليلة كانت”. (نقله عنه ابن القيم في الزاد 1/54).