هل يأخذ المكلف أجر الصف الأول ولو لم يكن في المسجد إلا صف واحد؟

جاء في فضل الصف الأول أحاديث، منها ما رواه البخاري ومسلم عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (لَوْ يَعْلَمُ النَّاسُ مَا فِي النِّدَاءِ وَالصَّفِّ الأَوَّلِ ثُمَّ لَمْ يَجِدُوا إِلا أَنْ يَسْتَهِمُوا عَلَيْهِ لاسْتَهَمُوا).
ومعنى (استهموا): أي اقترعوا، ويدل عليه رواية مسلم: (لَوْ تَعْلَمُونَ أَوْ يَعْلَمُونَ مَا فِي الصَّفِّ الْمُقَدَّمِ لَكَانَتْ قُرْعَةً).
وروى أبو داود والنسائي عَنْ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ رضي الله عنه قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَتَخَلَّلُ الصُّفُوفَ مِنْ نَاحِيَةٍ إِلَى نَاحِيَةٍ، يَمْسَحُ مَنَاكِبَنَا وَصُدُورَنَا، وَيَقُولُ: (لا تَخْتَلِفُوا فَتَخْتَلِفَ قُلُوبُكُمْ) وَكَانَ يَقُولُ: (إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى الصُّفُوفِ الْمُتَقَدِّمَةِ). صححه الألباني في صحيح النسائي.
ورواه ابن ماجه بلفظ: (إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى الصَّفِّ الأَوَّلِ).
والصف الأول: المراد به ما يلي الإمام مطلقا، سواء تخلله شيء كمقصورة أو لا. وقيل: هو أول صف تام يلي الإمام، وقيل: المراد به من سبق إلى الصلاة ولو صلى آخر الصفوف.
قال النووي رحمه الله: “القول الأول هو الصحيح المختار، وبه صرح المحققون، والقولان الآخران غلط صريح” انتهى نقلا عن فتح الباري 2/244.
ولا فرق بين أن يكون في المسجد صف واحد أو صفوف، فما يلي الإمام هو الصف الأول، الموعود أهله بذلك الفضل، إن شاء الله، لعموم الأحاديث.
قد دلت الأدلة على أن أجر صلاة الجماعة يزداد بكثرة عدد المصلين.
وخطوات العبد إلى المسجد -مهما بعُد- مكتوب له أجرها عند الله، كما في قوله صلى الله عليه وسلم: (وَكُلُّ خُطْوَةٍ يَخْطُوهَا إِلَى الصَّلاةِ صَدَقَةٌ) رواه البخاري:2989 ومسلم:1009.
وروى مسلم عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ رضي الله عنهما قَالَ: خَلَتْ الْبِقَاعُ حَوْلَ الْمَسْجِدِ فَأَرَادَ بَنُو سَلِمَةَ أَنْ يَنْتَقِلُوا إِلَى قُرْبِ الْمَسْجِدِ فَبَلَغَ ذَلِكَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ لَهُمْ: (إِنَّهُ بَلَغَنِي أَنَّكُمْ تُرِيدُونَ أَنْ تَنْتَقِلُوا قُرْبَ الْمَسْجِدِ) قَالُوا نَعَمْ يَا رَسُولَ اللَّهِ قَدْ أَرَدْنَا ذَلِكَ. فَقَالَ: (يَا بَنِي سَلِمَةَ دِيَارَكُمْ تُكْتَبْ آثَارُكُمْ دِيَارَكُمْ تُكْتَبْ آثَارُكُمْ).
قال النووي رحمه الله: “معناه الزموا دياركم فإنكم إذا لزمتموها كتبت آثارُكم وخطاكم الكثيرة إلى المسجد. وبنو سلِمة، قبيلة معروفة من الأنصار رضي الله عنهم” انتهى من شرح مسلم (5/169).
وينبغي أن يُعلم أن المفاضلة بين الصلاة في مسجد ومسجد، تدخل فيها أمور أخرى غير كثرة العدد وكثرة الخطى، كالتزام الإمام والمأمومين بالسنة، وحرصهم على إقامة الصلاة كما أمر الله تعالى، من الخشوع والطمأنينة وتسوية الصفوف وغير ذلك مما يتمم الصلاة ويكملها. وقد يكون في بعض المساجد حلقات للتعليم أو تحفيظ كتاب الله تعالى، فينبغي أن يكون للإنسان حظ من ذلك، وألا يفرط فيه ولو كان المسجد أقل عددا.
والفقه أن يوازن الإنسان بين مراتب الأعمال، وأن يعرف الفاضل من المفضول، وأن يجتهد في تحصيل الأجر والثواب ما أمكنه.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *