من فقه البيوع النوع الخامس من البيوع المحرمة: البيوع المحرمة لأجل الغرر أو الغبن النجْش (تابع) ياسين رخصي

قبل الشروع في موضوع الحلقة نذكر بتعريف النجش.
النجش: أن يزيد في ثمن السلعة لا رغبة فيها، بل ليخدع غيره ويغره ليزيد ويشتريها.
أثر النجش في البيع من حيث الصحة أوالبطلان
بعد اتفاق العلماء على حرمة النجش، اختلفوا في حكم البيع الذي حدث فيه النجش على قولين:
القول الأول: أن البيع صحيح، وهو قول أكثر أهل العلم: الحنفية والمالكية والشافعية والحنابلة في مذهب عندهم وابن حزم.
القول الثاني: أن البيع باطل، وهو قول ابن حبيب من المالكية ورواية عن أحمد، وقول بعض أهل الحديث وأهل الظاهر .
أدلة القولين
استدل القائلون بصحة البيع: بأن النهي الوارد عن النجش لم يؤثر في صحة البيع لسببين:
السبب الأول: أن النهي ههنا عائد إلى الناجش لا إلى العاقد.
السبب الثاني: أن النهي ههنا ليس لحق الله تعالى، وإنما هو لحق الآدمي، فلم يفسد العقد، لأن حق الآدمي يمكن جبره بالخيار أو بالحطّ من الثمن .
قال شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله-: “والتحقيق: أن هذا النوع لم يكن النهي فيه لحق الله -كنكاح المحرمات، والمطلقة ثلاثا، وبيع الربا- بل لحق الإنسان بحيث لو علم المشتري أن صاحب السلعة ينجش ورضي بذلك، جاز (أي صح البيع)، وكذلك إذا علم أن غيره ينجش، وكذلك المخطوبة متى أذن الخاطب الأول فيها جاز، ولما كان النهي هنا لحق الآدمي، لم يجعله الشارع صحيحا لازما كالحلال، بل أثبت حق المظلوم وسلطه على الخيار، فإن شاء أمضى وإن شاء فسخ” اهـ .
أدلة القول الثاني:
استدل القائلون ببطلان البيع: بأن النجش منهي عنه، والأصل في النهي أنه يقتضي فساد المنهي عنه.
سبب الخلاف
قال ابن رشد -رحمه الله-: “وسبب الخلاف:
هل يتضمن النهي فساد المنهي، وإن كان النهي ليس في نفس الشيء بل من خارج؟
فمن قال: يتضمن، فسَخ البيع ولم يجزه، ومن قال: ليس يتضمن، أجازه”.
قال: “والجمهور على أن النهي إذا ورد لمعنى في المنهي عنه، أنه يتضمن الفساد، مثل النهي عن الربا والغرر، وإذا ورد لأمر من خارج لم يتضمن الفساد ” اهـ.
* وبذلك يتبين رجحان ما ذهب إليه أكثر أهل العلم، وهو أن البيع الذي حدث فيه نجش بيع صحيح، مع الإثم لأن النهي في النجش -كما سبق في أدلة القول الأول- غير عائد إلى أصل العقد بل لأمر خارج عنه وهو الناجش.
قال في المغني: “ولنا أن النهي عاد إلى الناجش لا إلى العاقد فلم يؤثر في البيع ولأن النهي لحق الآدمي، فلم يفسد العقد.. وفارق ما كان لحق الله تعالى، لأن حق الآدمي يمكن جبره بالخيار، أو زيادة في الثمن”اهـ .
* ثم اختلف القائلون بصحة البيع الذي حدث فيه نجش -وهم الجمهور كما سبق- في ثبوت الخيار للمشتري على ثلاثة أقوال، وهو ما سيأتي بيانه في الحلقة القادمة إن شاء الله تعالى.
وبالله التوفيق.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *