من الأحاديث الضعيفة في التوسل ذ. محمد أبوالفتح

حديث: “من قال حين يخرج إلى الصلاة: اللهم إني أسألك بحق السائلين عليك، وبحق ممشاي، فإني لم أخرج أشرا، ولا بطرا، ولا رياء، ولا سمعة، خرجت اتقاء سخطك، وابتغاء مرضاتك، أسألك أن تنقذني من النار، وان تغفر لي ذنوبي، إنه لا يغفر الذنوب إلا أنت؛ وكل الله به سبعين ألف ملك يستغفرون له، وأقبل الله عليه بوجهه حتى يفرغ من صلاته”.

أخرجه ابن ماجه (778)، وأحمد (11156) واللفظ له، وابن أبي شيبة في مصنفه (29202)، وأحمد بن منيع في مسنده (إتحاف الخيرة المهرة 979) كلهم من طريق فضيل بن مرزوق عن عطية عن أبي سعيد رضي الله عنه.
فضيل بن مرزوق مُتكلم فيه [انظر ترجمته في تهذيب التهذيب]، وعطية -هو العوفي- ضعيف، كان يدلس تدليسا قبيحا. قال ابن حبان في المجروحين (2/176): “سمع من أبي سعيد الخدري أحاديث، فلما مات أبو سعيد جعل يجالس الكلبي (أحد الكذابين) ويحضر قصصه، فإذا قال الكلبي: قال رسول الله كذا، فيحفظه، وكناه أبا سعيد، ويروي عنه، فإذا قيل له: من حدثك بهذا ؟ فيقول: حدثني أبو سعيد، فيتوهمون أنه يريد أبا سعيد الخدري، وإنما أراد به الكلبي، فلا يحل الاحتجاج به، ولا كتابة حديثه إلا على جهة التعجب”.
ولذلك قال البوصيري في الزوائد (1/98) بعد هذا الحديث: “هذا إسناد مسلسل بالضعفاء”. وضعفه الألباني في السلسلة الضعيفة (24).
وقد استدل بهذا الحديث من جوز التوسل في الدعاء بحق السائلين، وبجاه النبي الكريم صلى الله عليه وسلم، ولم يصح في ذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم حديث، ومن أشهر ما يروى في ذلك حديث: “إذا سألتم الله فاسألوه بجاهي؛ فإن جاهي عند الله عظيم”، وقد قال فيه شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: “هذا الحديث كذب، ليس في شيء من كتب المسلمين التي يعتمد عليها أهل الحديث، ولا ذكره أحد من أهل العلم بالحديث، مع أن جاهه عند الله تعالى أعظم من جاه جميع الأنبياء والمرسلين، وقد أخبرنا سبحانه عن موسى وعيسى عليهما السلام أنهما وجيهان عند الله فقال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ آذَوْا مُوسَى فَبَرَّأَهُ اللَّهُ مِمَّا قَالُوا وَكَانَ عِندَ اللَّهِ وَجِيهاً} الأحزاب، وقال تعالى: {إِذْ قَالَتِ الْمَلآئِكَةُ يَا مَرْيَمُ إِنَّ اللّهَ يُبَشِّرُكِ بِكَلِمَةٍ مِّنْهُ اسْمُهُ الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ وَجِيهاً فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَمِنَ الْمُقَرَّبِينَ }آل عمران.
فإذا كان موسى وعيسى وجيهين عند الله عز وجل؛ فكيف بسيد ولد آدم، صاحب المقام المحمود الذي يغبطه به الأولون والآخرون؛ وصاحب الكوثر، والحوض المورود، الذي آنيته عدد نجوم السماء، وماؤه أشد بياضا من اللبن، وأحلى من العسل، ومن شرب منه شربة لم يظمأ بعدها أبدا. وهو صاحب الشفاعة يوم القيامة، حين يتأخر عنها آدم وأولو العزم -نوح، وإبراهيم، وموسى، وعيسى صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين- ويتقدم هو إليها، وهو صاحب اللواء، آدم ومن دونه تحت لوائه، وهو سيد ولد آدم وأكرمهم على ربه عز وجل، وهو إمام الأنبياء إذا اجتمعوا، وخطيبهم إذا وفدوا، ذو الجاه العظيم صلى الله عليه وسلم وعلى آله.
ولكن جاه المخلوق عند الخالق تعالى، ليس كجاه المخلوق عند المخلوق؛ فإنه لا يشفع عنده أحد إلا بإذنه… والمخلوق يشفع عند المخلوق بغير إذنه فهو شريك له في حصول المطلوب، والله تعالى لا شريك له كما قال سبحانه: {قُلِ ادْعُوا الَّذِينَ زَعَمْتُم مِّن دُونِ اللَّهِ لَا يَمْلِكُونَ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَلاَ فِي الْأَرْضِ وَمَا لَهُمْ فِيهِمَا مِن شِرْكٍ وَمَا لَهُ مِنْهُم مِّن ظَهِيرٍ، وَلَا تَنفَعُ الشَّفَاعَةُ عِندَهُ إِلَّا لِمَنْ أَذِنَ لَهُ سبأ، (مجموع الفتاوى 1/319-320).

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *