قال الله تعالى: “فَاسْتَمْتَعُواْ بِخَلاقِهِمْ فَاسْتَمْتَعْتُم بِخَلاَقِكُمْ كَمَا اسْتَمْتَعَ الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ بِخَلاَقِهِمْ وَخُضْتُمْ كَالَّذِي خَاضُواْ أُوْلَـئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فِي الُّدنْيَا وَالآخِرَةِ وَأُوْلَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ” التوبة 69.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى: “فقوله سبحانه تعالى: “فَاسْتَمْتَعُواْ بِخَلاقِهِم” إشارة إلى اتباع الشهوات وهو داء العصاة، وقوله: “وَخُضْتُمْ كَالَّذِي خَاضُواْ” إشارة إلى اتباع الشبهات وهو داء المبتدعة وأهل الأهواء والخصومات، وكثيرا ما يجتمعان، فقل من تجد في اعتقاده فسادا إلا وهو ظاهر في عمله، وقد دلت الآية على أن الذين كانوا من قبل استمتعوا وخاضوا، وهؤلاء فعلوا مثل أولئك، ثم قوله “فَاسْتَمْتَعُواْ” و”وَخُضْتُمْ” خبر عن وقوع ذلك في الماضي، وهو ذم لمن يفعله إلى يوم القيامة كسائر ما أخبر الله به عن أعمال وصفات الكفار والمنافقين عند مبعث عبده ورسوله محمد صلى الله عليه وسلم، فإنه ذم لمن يكون حاله حالهم إلى يوم القيامة..
كما أن جميع الموجودين في وقت النبي صلى الله عليه وسلم وبعده إلى يوم القيامة مخاطبون بهذا الكلام لأنه كلام الله وإنما الرسول مبلغ عن الله، وهذا مذهب عامة المسلمين وإن كان بعض من تكلم في أصول الفقه اعتمد أن ضمير الخطاب إنما يتناول الموجودين حين تبليغ الرسول، وأن سائر الموجودين دخلوا إما بما علمناه بالاضطرار من استواء الحكم، كما لو خاطب النبي صلى الله عليه وسلم واحدا من الأمة، وإما بالسنة، وإما بالإجماع، وإما بالقياس، فيكون كل من حصل منه هذا الاستمتاع والخوض مخاطبا بقوله “فَاسْتَمْتَعُواْ” و”وَخُضْتُمْ” وهذا أحسن القولين، وقد توعد الله سبحانه هؤلاء المستمتعين الخائضين بقوله: “أُوْلَـئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فِي الُّدنْيَا وَالآخِرَةِ وَأُوْلَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ” وهذا هو المقصود هنا من هذه الآية، وهو أن الله قد أخبر أن في هذه الأمة من استمتع بخلاقه كما استمتعت الأمم قبلهم، وخاض كالذي خاضوا وذمهم على ذلك وتوعدهم على ذلك”. (اقتضاء الصراط المستقيم).