من فقه البيوع البيوع المحرمة لأجل الضرر أو الغبن أحكام العيوب: التصرية ياسين رخصي

عن أبي هريرة رضي الله عنه: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: “لا تُصَرُّوا الإبل والغنم، فمن ابتاعها بعد ذلك فهو بخير النَظَرين بعد أن يحلبها إن رضيها أمسكها، وإن سخطها ردها وصاعا من تمر” متفق عليه.
وفي رواية: “من اشترى مُصَرّاة فهو منها بالخيار ثلاثة أيام إن شاء أمسكها وإن شاء ردّها ومعها صاعا من تمر لا سمراء” رواه الجماعة إلا البخاري.

من مسائل الباب:
* المسألة الأولى: مفردات الحديث
لا تصروا: بضم أوله وفتح الصاد المهملة وضم الراء المشددة من صَرَّيت اللبن في الضرع إذا جمعته.
قال الشافعي: التصرية هي ربط أضلاف الشاة أو الناقة وترك حلبها حتى يجتمع لبنها فيكثر فيظن المشتري أن ذلك عادتها، فيزيد في ثمنها لما يرى من كثرة لبنها، وأصل التصرية حبس الماء، يقال منه صريت الماء: إذا حبسته1.
فمن ابتاعها بعد ذلك: أي اشتراها بعد التصرية.
فهو بخير النظرين: أي بخير الرأيين الإمساك أو الرد.
صاعا من تمر: الصاع مكيال معروف، وهو يسع من البر الرزين ما زنته كيلوان وأربعون غراما.
لا سمراء: بفتح فسكون، قمح مخصوص وهي الحنطة الشامية.

* المسألة الثانية: حكم التصرية
اتفق العلماء على أن التصرية للبيع تدليسا على المشتري حرام، لأنه غش وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: “من غش فليس منا” أخرجه مسلم، ولحديث أبي هريرة المتقدم في النهي عن التصرية2.

* المسألة الثالثة: هل يتعين التمر في الرد؟
بعد أن اتفق عامة العلماء على أن مشتري المصراة إن شاء أن يردها فإنه يردها ويرد معها بدل لبنها، اختلفوا في بدل اللبن: هل يجب أن يكون لبنا أو يجزئ غيره عنه؟
وذلك على ثلاثة أقوال:
أحدها: يتعين التمر في الرد وهو قول الجمهور.
الثاني: أنه يرد صاعا من غالب قوت محله ولو لحما وهو مذهب المالكية ووجه للشافعية.
الثالث: أنه يرد قيمة اللبن، وهو قول أبي يوسف وبعض الشافعية.
وأقرب هذه الأقوال إلى الصواب قول من قال إنه يتعين التمر في الرد مع المصراة. كما هو قول جمهور أهل العلم، وذلك للحديث الصريح في ذلك، والمتفق على صحته3.

* المسألة الرابعة: لو تراضيا بغير صاع تمر
ذكر ابن عبد البر رحمه الله: أنه إن شاء ربّ الشاة أن يأخذ المصراة بغير تمر ولا حنطة ولا لبن، كان له ذلك.
وكذلك قال الشافعية: لو تراضيا بغير صاع تمر من مِثْلِيٍّ أو متقوَّم جاز، بل الظاهر -كما ذكر الزركشي- أنهما لو تراضيا بغير شيء جاز، وذلك لأن الحق لهما ولا يعدوهما4.

*المسألة الخامسة: المقدار الواجب في الرد
اختلف العلماء في المقدار الواجب في الرد، والذي عليه أئمة المالكية والشافعية -في الأصح- والحنابلة: أنه صاع مطلقا سواء أقل اللبن أم كثر وسواء زادت قيمة الصاع على قيمة اللبن أم نقصت5.

* المسألة السادسة: الواجب عند عدم وجود التمر
اتفق القائلون بتعيين التمر في الردّ على على أنه إذا عدم التمر في موضعه فإنه تجب قيمته، ولكن قال أكثرهم: تجب قيمته في الموضع الذي وقع فيه العقد لأنه بمثابة عين أتلفها، فيجب عليه قيمتها6.
وسيأتي في الحلقة القادمة إن شاء الله ذكر مزيد من المسائل وبالله التوفيق.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1- نيل الأوطار (4/98) باختصار
2- انظر الإفصاح لابن هبيرة (1/354)، والزيادة وأثرها في المعاوضات المالية لعبد الرؤوف التمالي (1/218).
3-4-5-6- انظر المصدر السابق (1/234-220).

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *