آيات تفهم على غير وجهها سورة يوسف إبراهيم الصغير

– قوله تعالى: {اقْتُلُواْ يُوسُفَ أَوِ اطْرَحُوهُ أَرْضاً يَخْلُ لَكُمْ وَجْهُ أَبِيكُمْ وَتَكُونُواْ مِن بَعْدِهِ قَوْماً صَالِحِينَ} (الآية:9).
{اطرحوه أرضا} تفهم على أنها: أسقطوه، بينما معناها: اذهبوا به إلى أرض بعيدة.
قال ابن العربي المالكي: «{اطرحوه أرضا} أي: إلى أرض يَبْعُدُ عن أبيه».
قلت: فلو طرحوه بالمعنى الأول لم يخل لهم وجه أبيهم، وهم الذين أرادوا إبعاده حتى يتحصلوا على حب أبيهم لهم.
قال الشيخ رشيد رضا: «{اطرحوه أرضا} أي: انبذوه كالشيء اللُّقَا الذي لا قيمة له في أرض مجهولة بعيدة عن مساكننا أو عن العمران، بحيث لا يهتدي إلى العودة إلى أبيه».
– قوله تعالى: {وَجَاءتْ سَيَّارَةٌ فَأَرْسَلُواْ وَارِدَهُمْ فَأَدْلَى دَلْوَهُ قَالَ يَا بُشْرَى هَـذَا غُلاَمٌ وَأَسَرُّوهُ بِضَاعَةً وَاللهُ عَلِيمٌ بِمَا يَعْمَلُونَ} (الآية:19).
كلمة {سيارة} لا تعني الآلة التي تستعمل للركوب.
قال الواحدي: «{سيارة} أي: رفقة تسير في السفر».
قال القرطبي: «قوله تعالى: {وجاءت سيارة} أي: رفقة مارة يسيرون من الشام إلى مصر».
قال ابن عباس رضي الله عنهما: «أي قوم يسيرون من مدين إلى مصر فأخطأوا الطريق».
ويوضح هذا قوله تعالى قبل ذلك: {قَالَ قَائِلٌ مَّنْهُمْ لاَ تَقْتُلُواْ يُوسُفَ وَأَلْقُوهُ فِي غَيَابَةِ الْجُبِّ يَلْتَقِطْهُ بَعْضُ السَّيَّارَةِ إِن كُنتُمْ فَاعِلِينَ} (الآية:10)، أي: بعض من يسير من المارة المسافرين الذين سيمرون عليه.
وكذا قوله تعالى في سورة المائدة: {أُحِلَّ لَكُمْ صَيْدُ الْبَحْرِ وَطَعَامُهُ مَتَاعاً لَّكُمْ وَلِلسَّيَّارَةِ وَحُرِّمَ عَلَيْكُمْ صَيْدُ الْبَرِّ مَا دُمْتُمْ حُرُماً وَاتَّقُواْ اللهَ الَّذِيَ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ} (الآية:96).
– قوله تعالى: {وَشَرَوْهُ بِثَمَنٍ بَخْسٍ دَرَاهِمَ مَعْدُودَةٍ وَكَانُواْ فِيهِ مِنَ الزَّاهِدِينَ} (الآية:20).
{شروه} أي: باعوه، وشروه ضد اشتروه، كباعوه وابتاعوه.
قال العلامة بن عاشور: «معنى شروه: باعوه، يقال: شرى كما يقال: باع، ويقال: اشترى كما يقال: ابتاع؛ ومثلهما: رهن وارتهن، وعاوض واعتاض، وكرى واكترى؛ والأصل في ذلك وأمثاله أن الفعل للحدث والافتعال لمطاوعة الحدث».
ومن فسر شروه باشتروه أخطأ خطأ أوقعه فيه سوء تأويل قوله: {وكانوا فيه من الزاهدين}؛ وما ادعاه بعض أهل اللغة أن شرى واشترى مترادفان في معنييهما يغلب على ظني أنه وهم، إذ لا دليل يدل عليه.
نظير ذلك قوله تعالى: {وَمِنَ النَّاسِ مَن يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغَاء مَرْضَاتِ اللّهِ} (البقرة:207).
قال القرطبي: «و{يشري} معناه يبيع، ومنه {وشروه بثمن بخس} أي: باعوه».
– قوله تعالى: {فَلَمَّا رَأَيْنَهُ أَكْبَرْنَهُ وَقَطَّعْنَ أَيْدِيَهُنَّ} (الآية:31).
{قطعن أيديهن} تعني: جرحن أيديهن، وليس التقطيع الكامل.
قال ابن الجوزي: «قوله تعالى: {وَقَطَّعْنَ أَيْدِيَهُنَّ} فيه ثلاثة أقوال: أحدها: حَزَزْنَ أيديَهن، وكن يحسبن أنهن يقطّعن طعاما، قاله ابن عباس، وابن زيد؛ والثاني: قطّعن أيديهن حتى ألقينها، قاله مجاهد، وقتادة؛ والثالث: كلَمن الأكُفَّ وأبنَّ الأنامل، قاله وهب بن منبّه».
قال ابن عطية: «وقوله: {وَقَطَّعْنَ أَيْدِيَهُنَّ} أي: كثرن الحز فيها بالسكاكين»، وقال عكرمة: «{الأيدي} هنا الأكمام»، وقال مجاهد: «هي الجوارح، وقطعنها حتى ألقينها».
قال القاضي أبو محمد: «فظاهر هذا أنه بانت الأيدي، وذلك ضعيف من معناه، وذلك أن قطع العظم لا يكون إلا بشدة، ومحال أن يسهو أحد عنها، والقطع على المفصل لا يتهيأ إلا بتلطف لا بد أن يقصد، والذي يشبه أنهن حملن على أيديهن الحمل الذي كن يحملنه قبل المتك (لعلها المتكأ) فكان ذلك حزا، وهذا قول الجماعة».
قال الشيخ رشيد رضا: «واختلف المفسرون في هذا القطع، هل كان قطع إبانة انفصلت به الكف من المعصم أو الأصابع من الكف؟ أم قطع جرح أطلق فيه لفظ بدء الشيء على غايته من باب المبالغة، وهو ما يسميه علماء البيان بالمجاز المرسل؟
الأكثرون على الثاني، وهو مستعمل إلى اليوم بالإرث عن قدماء العرب فيمن يحاول قطع شيء فتصيب السكين يده فتجرحها، يقول: كنت أقطع اللحم أو الحبل (مثلا) فقطعت يدي».
قال بن عاشور: «وتقطيع أيديهن كان من الذهول، أي أجرين السكاكين على أيديهن يحسبن أنهن يقطعن الفواكه؛ وأريد بالقطع: الجرح، أطلق عليه القطع مجازا للمبالغة في شدته حتى كأنه قطع قطعة من لحم اليد».
– قوله تعالى: {ثُمَّ بَدَا لَهُم مِّن بَعْدِ مَا رَأَوُاْ الآيَاتِ لَيَسْجُنُنَّهُ حَتَّى حِينٍ} (الآية:35).
ما المقصود بـ{الآيات} التي رأوها؟
قال الماوردي: «قوله تعالى: {ثم بدا لهم من بعد ما رأوا الآيات} في الآيات التي رأوها وجهان: أحدهما: قدُّ القميص وحز الأيدي؛ والثاني: ما ظهر لهم من عفته وجماله حتى قلن: {ما هذا بشرا إن هذا إلا ملك كريم}».
– قال القرطبي: «{من بعد ما رأوا الآيات} أي: علامات براءة يوسف من قد القميص من دبر، وشهادة الشاهد، وحز الأيدي، وقلة صبرهن عن لقاء يوسف؛ وقيل: هي البركات التي كانت تنفتح عليهم ما دام يوسف فيهم، والأول أصح».
قال مقاتل عن مجاهد عن ابن عباس في قول: {ثم بدا لهم من بعد ما رأوا الآيات} قال: «القميص من الآيات، وشهادة الشاهد من الآيات، وقطع الأيدي من الآيات، وإعظام النساء إياه من الآيات».

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *