– قال تعالى: {فَلَمَّا رَآهَا تَهْتَزُّ كَأَنَّهَا جَانٌّ}(10).
كلمة (جَانٌّ) يعتقد أنها من الجن، بينما هي نوع من الحيات السريعة.
قال الطبري -رحمه الله-: كأنها حية عظيمة، والجانّ: جنس من الحيات معروف.
قال ابن عطية -رحمه الله-: و”الجانّ” الحيات لأنها تجن أنفسها أي تسترها، وقالت فرقة: الجان صغار الحيات، وعصا موسى صارت حية ثعبانا، وهو العظيم فإنها شبهت بـ”الجانّ” في سرعة الاضطراب، لأن الصغار أكثر حركة من الكبار”.
قال العلامة ابن عاشور -رحمه الله-: “وَالْجَانُّ: ذَكَرُ الْحَيَّاتِ، وهو شديد الاهتزاز وجمعه جِنَّانٌ (وَأَمَّا الْجَانُّ بِمَعْنَى وَاحِدِ الْجِنِّ فَاسْمُ جَمْعِهِ جِنٌّ). والتشبيه في سرعة الاضطراب لأن الحيات خفيفة التحرك، وأما تشبيه العصا بالثعبان في آية: {فإذا هي ثعبان مبين} (الأعراف107) فذلك لضخامة الجرم”.
فالجان نوع من الحيات يمتاز بالاضطراب وسرعة الحركة، وليست من الجن.
وقد ورد التفسير الثاني في قوله تعالى في سورة الرحمان {وَخَلَقَ الْجَانَّ مِن مَّارِجٍ مِّن نَّارٍ}(15).
قال العلامة محمد الأمين الشنقيطي: “قوله: الجان أي وخلق الجان وهو أبو الجن، وقيل: هو إبليس. وقيل: هو الواحد من الجن”.
– قال تعالى: {وَأَدْخِلْ يَدَكَ فِي جَيْبِكَ تَخْرُجْ بَيْضَاءَ مِنْ غَيْرِ سُوءٍ}(12).
ما دلالة بيضاء وما معنى سوء
قال الطبري-رحمه الله-: وقوله: (تَخْرُجْ بَيْضَاءَ) يقول: تخرج اليد بيضاء بغير لون موسى (مِنْ غَيْرِ سُوءٍ) يقول: من غير برص.
– قال تعالى: {فَلَمَّا جَاءتْهُمْ آيَاتُنَا مُبْصِرَةً}(13).
(مبصرة) الآيات لا تبصر، بل يُستبصر بها.
قال العلامة ابن عاشور-رحمه الله-: “والمبصرة: الظاهرة. صيغ لها وزن اسم فاعل الإبصار على طريقة المجاز العقلي، وإنما المبصر الناظر إليها.
نظير ذلك قوله تعالى في سورة الإسراء {وَآتَيْنَا ثَمُودَ النَّاقَةَ مُبْصِرَةً}(59).
قال البغوي: مضيئة بينة.
قال ابن عطية: وقوله مُبْصِرَةً على جهة النسب أي معها إبصار، كما قال: {آيَةَ النَّهارِ مُبْصِرَةً} [الإسراء: 12] أي معها إبصار ممن ينظر، وهذا عبارة عن بيان أمرها، ووضوح إعجازها.
قال ابن الجوزي: قوله تعالى: وآتينا ثمود الناقة مبصرة قال ابن قتيبة: أي: بينة، يريد: مبصرا بها.
قال القرطبي: (وآتينا ثمود الناقة مبصرة) أي آية دالة مضيئة نيرة على صدق صالح، وعلى قدرة الله تعالى.
قال العلامة محمد الأمين الشنقيطي: بين جل وعلا في هذه الآية الكريمة: أنه آتى ثمود الناقة في حال كونها آية مبصرة، أي بينة تجعلهم يبصرون الحق واضحا لا لبس فيه.
فالإبصار لا يتعلق بالآيات في ذاتها بل بالذي يريد أن يستبصر بها فهي التي يبصر بها.
– قال تعالى: {وَإِذَا وَقَعَ الْقَوْلُ عَلَيْهِمْ أَخْرَجْنَا لَهُمْ دَابَّةً مِّنَ الْأَرْضِ تُكَلِّمُهُمْ أَنَّ النَّاسَ كَانُوا بِآيَاتِنَا لَا يُوقِنُونَ}(82).
الإشكال يقع في كلمة (تُكَلِّمُهُمْ) هل هي من الكلام والقول أم من الكلم وهو الجرح والوسم.
قال صاحب “الدر المصون في علوم الكتاب المكنون” السَّمين الحلبي: “قوله: (تُكَلِّمُهُمْ) العامَّةُ على التشديد. وفيه وجهان، الأظهر: أنه من الكلامِ والحديث، ويؤيِّده قراءةُ أُبَيٍّ (تُنَبِّئُهم) وقراءةُ يحيى بن سَلام (تُحَدِّثُهم) وهما تفسيران لها. والثاني: (تَجْرَحُهم) ويَدُلُّ عليه قراءةُ ابن عباس وابن جبير ومجاهد وأبي زُرْعَةَ والجحدري (تَكْلُمُهم) بفتحِ التاءِ وسكونِ الكافِ وضمِّ اللامِ من الكَلْمِ وهو الجُرْحُ. وقد قُرِىء (تَجْرَحُهم) وفي التفسير أنها تَسِمُ الكافَر.
وعلى هذا نشأ لأهل التفسير قولان مشهوران:
– قول ينتصر إلى القول بتفسير تكلمهم بالكلام الحقيقي والقول، لظاهر الأية، وبقراءة أبي يحيى بن سلام (تُنَبِّئُهم) و(تُحَدِّثُهم)، وفي هذا ذلة وتحقير لهؤلاء المكَّلمين ما داموا لم يسمعوا للآيات، ولم يقبلوها، ولم يلتفتوا إلى منهج الله بناء على كلام أمثالهم من البشر، يتم الحط منهم وينزلون إلى مستوى سماعه من هذه الدابة.
وقيل أنه جاء ذكرها في سورة النمل التي تضم مشاهد وأحاديث بين طائفة من الحشرات والطير والجن وسليمان -عليه السلام- فجاء ذكر الدابة وتكليمها الناس متناسقاً مع مشاهد السورة وجوّها العام .
– وقول يرى أن تكلمهم بمعنى تترك أثرا عليهم بالجرح والوسم،اعتمادا على قراءة أبي زرعة (تَكْلُمُهم) من الكلم وهو الجرح. وإذ لا مرجح بينهما فالجمع أولا على حد تقرير جهابذة التفسير.
قال ابن كثير رحمه الله: “وعلى التقديرين يجوز أن تكون “تُكَلِّمُهُمْ” بمعنييه من الحديث والجرح أي: تحدثهم بأن الناس أو بسبب أن الناس أو تجرحهم بأن الناس، أي: تسمهم بهذا اللفظ أو تسمهم بسبب انتفاء الإيمان”.
وقيل: تُكَلِّمُ المؤمن وتَكْلم الكافر.
والله تعالى أعلى و أعلم.