العبادة تشمل جميع مناحي حياة المسلم وليست محصورة في المسجد عبد الله الزناسني

بعض الناس ينظرون إلى العبادة نظرة قاصرة جدا فيحصرونها في: الصلاة، والصيام، والحج، وقراءة القرآن..، ويعدون ما سوى ذلك من معاملات، وأخلاق، ومباحات.. لا يدخل تحت مسمى العبادة، بل وُيفرِط بعضهم فيقول من أراد أن يعبد الله فليذهب إلى المسجد! (لي بغا يعبد الله يمشي للجامع)..

تعددت أقوال العلماء في مفهوم العبادة وتعريفها، وهذا التنوع في الأقوال هو من باب اختلاف التنوع لا التضاد، أي: إن هذه التعريفات يكمل بعضها بعضاً، والإلمام بكل هذه الأقوال ينتج عنه المفهوم الصحيح للعبادة، ومن هذه الأقوال:

قول ابن القيم رحمه الله تعالى:
“أصل العبادة: محبة الله، بل إفراده بالمحبة، وأن يكون الحب كله لله، فلا يحب معه سواه، وإنما يحب لأجله وفيه، كما يحب أنبياءه ورسله وملائكته وأولياءه، فمحبتنا لهم من تمام محبته، وليست محبة معه، كمحبة من يتخذ من دون الله أنداداً يحبونهم كحبه، وإذا كانت المحبة له حقيقة عبوديته وسرّها: فهي إنما تتحقق باتباع أمره واجتناب نهيه” (مدارج السالكين).
وقال رحمه الله تعالى في موطن آخر:
“العبادة تجمع أصلين: غاية الحب بغاية الذل والخضوع”. (المدارج).
ويعرفها شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى فيقول: “العبادة: اسم جامع لكل ما يحبه الله ويرضاه من الأقوال والأعمال الظاهرة والباطنة” (العبودية).
وعلى ضوء ما ذكر: لا يكون العبد متحققاً بوصف العبودية إلا بأصلين عظيمين:
1- الإخلاص لله جل وعلا.
2- متابعة الرسول.
ومما سبق بيانه يتضح لنا جليّاً معنى العبادة الحقة التي أمرنا الله عز وجل أن نتعبده بها، إلا أن بعض الناس ينظرون إلى العبادة نظرة قاصرة جدا فيحصرونها في: الصلاة، والصيام، والحج، وقراءة القرآن..، ويعدون ما سوى ذلك من معاملات، وأخلاق، ومباحات.. لا يدخل تحت مسمى العبادة، بل ويفرط بعضهم فيقول من أراد أن يعبد الله فليذهب إلى المسجد! (لي بغا يعبد الله يمشي للجامع).
نعم إن هذا المفهوم هو السائد عند بعض الناس، ولا أدل على ذلك من أننا قد نجد الرجل المصلي، الصائم، القارئ للقرآن، بعد فراغه من هذه الشعائر التعبدية لا يتورع أن يأكل أموال الناس بالباطل، أو يغشّ، أو يرابي، أو يظلم، بل ويزني ويملأ بيته بوسائل الإفساد..
وكذلك قد نرى المرأة المصلية الصائمة لا تتورع عن التبرج والتهتك والسفور والخروج إلى الشوارع والطرقات وهي شبه عارية.
إن العبادة بهذا المفهوم المنحرف تجعل المسلم في انفصال وانفصام بين حياته في مسجده وخارج مسجده، لأنه لو كان مفهوم العبادة التي يريدها الله عز وجل كما فهمها هذا الصنف من الناس لكانت عبثاً، ولبقي أكثر الأوقات غير معمور بعبادة الله عز وجل، وهذا لا يرضاه الباري سبحانه وتعالى، ذلك لأن أوقات الصلوات لا تتعدى ساعتين في اليوم والليلة، فماذا يكون شأن الساعات الباقية؟ هل تنفق في غير عبادة؟!
كلا.. فإن الله سبحانه لا يرضى لعباده هذه الحال.
إذن: فالواجب على كل مسلم أن يعلم أنه ما خلق إلا للعبادة قال تعالى: “وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ”، وأن للعبادة مفهوما أوسع مما يتخيله كثير من الناس، فكل ما يحبه الله تعالى من الأعمال أو الأقوال كالصلاة، والزكاة، والحج، وصلة الرحم، وبر الوالدين، وإطعام الطعام، وكفالة الأيتام وزيارة المرضى، والإتقان في العمل، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، والدعوة إلى الله تعالى، ومجاهدة أعداء الوطن والدين من الملحدين وغيرهم.. كل هذا يدخل تحت مسمى العبادة بل حتى إتيان الرجل زوجته يعد عبادة، قال الصادق المصدوق صلى الله عليه وسلم: “..وفي بضع أحدكم صدقة، قالوا يا رسول الله: أيأتي أحدنا شهوته ويكون له فيها أجر؟ قال: أرأيتم لو وضعها في حرام أكان عليه فيها وزر؟ فكذلك إذا وضعها في الحلال كان له أجر” (مسلم).
فعلى المسلم الذي يرجو رحمة ربه والفوز بجنانه والنجاة من نيرانه أن يكون وقته كله عبادة؛ وأن يستشعر ويستحضر نية التعبد لله تعالى سواء كان في المسجد أو في العمل أو في الشارع أو في البيت، كل ذلك يجب أن يفعله العبد مستشعرا العبادة لله تعالى، فيراقب ربه في كل أعماله، وينوي بها التقرب إليه سبحانه والاستعانة بها على طاعته.
إن هذا الشعور وهذه النية تجعل المسلم في كل أعماله، حتى في مباحاته ولذاته كالنوم والجماع عبداً طائعا ذليلا لخالقه سبحانه، “قُلْ إنَّ صَلاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ العَالَمِينَ، لا شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ المُسْلِمِينَ” (الأنعام).

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *