من أحكام الاستئذان “إنما جعل الاستئذان من أجل البصر”

أحاط الشارع الحكيم مؤسسة الأسرة بالعناية الفائقة، فشرع لها من الأحكام ما من شأنه أن يقوي تمسك أفرادها بالحياء وكل القيم التي تضمن استمرار وظيفتها التربوية، وللأسف الشديد وبفعل التغريب والعلمنة الذين تستهدفان المجتمع الإسلامي صارت كثير من تلك الأحكام مهجورة غائبة عند كثير من الناس ومن أهمها: حكم الاستئذان.
والغريب أن هذا الحكم لا يخلو كتاب من كتب السنة والفقه والآداب من الحديث عنه مما يدل على أهميته ومكانته ضمن أحكام الدين وكيف لا؟ وهو من الآداب التي تحافظ على حرمة بيوتات المسلمين فمع بعض أحكامه:
الاستئذان لغة وشرعا
الاستئذان لغة: طلب الإذن، والإذن: من أذن بالشيء إذنا بمعنى أباحه، وعليه فإن الاستئذان: طلب الإباحة، انظر “القاموس المحيط”197، و” لسان العرب” 1/545, و”الصحاح”5/2068.
أما شرعا فهو: “طلب الإذن في الدخول لمحل لا يملكه المستأذن” الفتح 11/3.
حكم الإستئذان
قال علماؤنا المالكية: إن الاستئذان واجب وجوب الفرائض، وإنه لا يجوز لأحد أن يدخل بيتا لغيره حتى يستأذن أهله سواء كان المستأذن قريبا للمستأذن عليه أو أجنبيا عنه، وهو مجمع على وجوبه فمن ترك الاستئذان فهو عاص لله تعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم. انظر كفاية الطالب الرباني مع حاشية العدوي 2/439-440.
الحكمة من الاستئذان
قال ابن العربي المالكي رحمه الله: “اعلموا وفقكم الله أن الله سبحانه خصص الناس بالمنازل وسترهم فيها عن الأبصار وملكهم الاستمتاع بها على انفراد وحجر على الخلق أن يطلعوا على ما فيها من خارج أو يلجوا بغير إذن أربابها لئلا يهتكوا أستارهم ويبلوا أخبارهم.
وتحقيق ذلك ما روي في الصحاح عن سهل بن سعد قال: “اطلع رجل من حجرة في حجر النبي صلى الله عليه وسلم ومع النبي صلى الله عليه وسلم مدرى (المشط) يحك بها رأسه فقال: “لو أعلم أنك تنظر لطعنت به في عينيك إنما جعل الاستئذان من أجل البصر”أحكام القرءان 3/358.
صيغة الاستئذان
عن رجل من بني عامر أنه استأذن على النبي عليه الصلاة والسلام وهو في بيت فقال: أألج؟ فقال النبي عليه الصلاة والسلام لخادمه: أخرج إلى هذا فعلمه الاستئذان فقل له: قل: السلام عليكم أأدخل؟ فسمعه الرجل فقال: السلام عليكم أأدخل؟ فأذن له النبي صلى الله عليه وسلم فدخل. الصحيحة.
قال ابن عبد البر المالكي رحمه الله: “الاستئذان أن يقول السلام عليكم أأدخل”الفتح 11/32.
فائدة: قال فقهاؤنا المالكية: “وما يفعله بعض الناس في الاستئذان بنحو (سبحان الله)، و(لا إله إلا الله) فهو بدعة مذمومة لما فيه من إساءة الأدب مع الله تعالى في استعمال اسمه في الاستئذان” الفواكه الدواني 2/427 وانظر الشرح الصغير 4/762.
الاستئذان ثلاثا
قال عليه الصلاة والسلام : “إذا استأذن أحدكم ثلاثا فلم يؤذن له فليرجع” البخاري.
قال القرطبي رحمه الله: “قال علماؤنا رحمهم الله إنما خص الاستئذات بثلاث لأن الغالب من الكلام إذا كرر ثلاثا سمع وفهم” الجامع لأحكام القرءان 12/215.
وروى سحنون عن ابن وهب عن مالك رحمهم الله أنه قال: “لا أحب أن يزيد على الثلاث إلا من علم أنه لم يسمع” وقال الحافظ: “وذهب الجمهور وبعض المالكية إلى أنه لا يزيد اتباعا لظاهر الخبر” الفتح 11/29.
أين يقف المستأذن؟
ينبغي ألا يقف المستأذن قبالة الباب مستقبلا إياه ولكن يقف بجنب وينحرف جاعلا الباب عن يمينه أو يساره.
عن هزيل بن شرحبيل قال: “جاء رجل فوقف على باب رسول الله صلى الله عليه وسلم يستأذن فقام على الباب، وفي رواية مستقبل الباب قال له النبي عليه الصلاة والسلام: هكذا عنك أو هكذا فإنما الاستئذان من النظر” صحيح سنن أبي داوود.
وعلى المرء أن يستأذن سواء كان الباب مفتوحا أو مغلقا “لأن الشرع قد أغلقه بالتحريم للدخول حتى يفتحه الإذن من ربه”اهـ ربه أي صاحب البيت انظر الجامع لاحكام القرءان 12/220.

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *