العزة ثابتة لله تعالى بمعانيها الثلاثة
بتأمل هذه التعريفات لاسم الله “العزيز” نلاحظ أنها تتمحور حول ثلاثة معان: القوة والغلبة والامتناع.
وقد ذكر هذه المعاني -مجموعة- ثلة من أهل العلم في تفسيرهم لاسم الله “العزيز”، منهم الشيخ عبد الرحمن السعدي حيث يقول: “العزيز: الذي له العزة كلها: عزة القوة وعزة الغلبة وعزة الامتناع، ممتنع أن يناله أحد من المخلوقات وقهر جميع الموجودات ودانت له الخليقة وخضعت لعظمته” .
وقبله الإمام ابن القيم الذي نظمها نظما بالغا في قصيدته النونية إذ يقول:
وهو العزيز فلن يرام جنابه أنى يرام جناب ذي السلطان
وهو العزيز القاهر الغلاب لم يغلبه شيء هذه صفتان
وهو العزيز بقوة هي وصفه فالعز حينئذ ثلاث معان
وهي التي كملت له سبحانه من كل وجه عادم النقصان
فالله جل وعلا يتصف بمعاني العزة الثلاثة:
1- عزة القوة: وهي وصفه سبحانه بالقوة التي لا تقاوم والعظمة التي لا ترام، والتي تتلاشى أمامها قوى الخلائق مهما عظمت، قال تعالى: “مَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ”، وقال جل جلاله: “إِنَّ رَبَّكَ هُوَ الْقَوِيُّ الْعَزِيزُ”.
2- عزة الامتناع: فهو تعالى ممتنع عن أن يصله أحد بضرر، فأعداؤه مهما كادوا فلن يبلغوا ضره سبحانه، كما في الحديث القدسي: “يا عبادي إنكم لن تبلغوا ضري فتضروني، ولن تبلغوا نفعي فتنفعوني” .
يقول الإمام ابن رجب الحنبلي رحمه الله: “يعني أن العباد لا يقدروا أن يوصلوا إلى الله نفعا ولا ضرا، فإن الله تعالى في نفسه غني حميد لا حاجة له بطاعات العباد ولا يعود نفعها إليه وإنما هم ينتفعون بها، ولا يتضرر بمعاصيهم وإنما هم يتضررون بها، قال تعالى: “وَلاَ يَحْزُنكَ الَّذِينَ يُسَارِعُونَ فِي الْكُفْرِ إِنَّهُمْ لَن يَضُرُّواْ اللّهَ شَيْئاً”، وقال: “وَمَن يَنقَلِبْ عَلَىَ عَقِبَيْهِ فَلَن يَضُرَّ اللّهَ شَيْئاً”..” .
فهو سبحانه منزه عن أن يصل إليه أحد بسوء أو ضرر، كما أنه منزه عن جميع ما لا يليق بعظمته وجلاله من العيوب والنقائص وعن كل ما ينافي كماله، وعن اتخاذ الأنداد والشركاء، قال تعالى: “سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ”: أي تنزه.. “ربّ العزة” أي الذي عزّ فقهر كل شيء واعتز عن كل شيء واعتز عن كل سوء يصفونه به ، وقال تعالى: “قُلْ أَرُونِي الَّذِينَ أَلْحَقْتُم بِهِ شُرَكَاء كَلَّا بَلْ هُوَ اللَّهُ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ”، وقال تعالى: “وَلَهُ الْمَثَلُ الْأَعْلَى فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ”.
ومما يدخل في عزة الامتناع: غناه سبحانه بذاته فلا يحتاج إلى أحد فهو الغني عن خلقه، وكل خلقه مفتقر إليه كما قال تعالى: “يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَنتُمُ الْفُقَرَاء إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ إِن يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ وَيَأْتِ بِخَلْقٍ جَدِيدٍ وَمَا ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ بِعَزِيزٍ”.
3- عزة القهر والغلبة: فهو سبحانه القاهر لأعدائه الغالب لهم، وهم لا يقهرونه ولا يغلبونه، فكل الكائنات مقهورة لله خاضعة لعظمته منقادة لإرادته، جميع نواصي المخلوقات بيده لا يتحرك منها متحرك ولا يتصرف متصرف إلا بحوله وقوته وإذنه، فما شاء الله كان ومن لم يشأ لم يكن ولا حول ولا قوة إلا به. وهذا المعنى هو أكثر معاني العزة استعمالا.
وكل هذه المعاني الثلاثة للعزة ثابتة لله عز وجل على أتم وجه وأكمله وأبعده عن التشبيه والنقصان .
وهناك معنى رابع يجب إثباته لله تعالى على الوجه اللائق به، وهو نفاسة القدر، فهو سبحانه لا مثيل له ولا نظير ولا كفؤ، كما قال تعالى: “لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ” ، فهو الأحد الفرد الصمد، أحد في ذاته، أحد في صفاته.. سبحانه.