شرح منظومة العلامة القاضي محمد أبي بكر القيسي الغرناطي التي سماها “نيل المنى في نظم الموافقات” للإمام الشاطبي -رحمه الله- الشيخ مولود السريري

نظم الكتاب الموافقات
من السبيل الذي مضى عليه علماء الأمة نظم المعارف والعلوم في بحور الشعر لتسهيل حفظها واستحضارها، غير أن ما ينظم من المِؤلفات المنثورة عادة لا يكون إلا من الصنف العالي القدر المنتخل ما فيه من أثمار الأنظار، والمتضمن لما تشتد الحاجة إليه من المسائل والمعارف، وللتحقيقات العلمية الموثوق بها.
وهذا الصنف من المؤلفات إنما يكون من وضع أئمة العلوم وأرباب الفنون، وذوي التحقيق العلمي المتين.
وكتاب الموافقات هذا هو بلا ريب من أرباب الصدور من تلك المِؤلفات، إلا أن العناية بنظمه والقيام بذلك في أول الأمر ما في الكتب التي بيدي، لم تكن إلا من صاحبين تلميذين له. أحدهما يذكر بأنه نظم هذا الكتاب، إلا أنني لم أظفر باسمه، ولا بما يدل على حاله، إذن فهو مجهول لنا، وظن أنه لا يوجد هذا النظم على الإطلاق، فادعاء وجوده في نظري وهم، نشأ من عدم التثبت في هذا الأمر، ومن ظن أن هذه المنظومة -نيل المنى- هي منظومته فتأمل.

ثانيهما: الشيخ العلامة قاضي الجماعة بغرناطة أبو بكر محمد بن محمد بن عاصم الغرناطي الأندلسي فقد نظمه كما قيل أول الأمر في ستة آلاف بيت تام من بحر الكامل، ثم اختصره -أي هذا النظم- في ثلاثة آلاف بيت تام.
وقد سمي هذا النظم -المنظومة- (نيل المنى من الموافقات) كما ذكر ذلك في خطبته. وهذا هو الذي شرحه أمامك -أيها القارئ الكريم. صحة نسبة هذه المنظومة لابن عاصم:
شك بعض الناس في كون صاحب هذه المنظومة هو ابن عاصم، وذلك لأن كاتب هذه المنظومة، كتبها بوادي آشى وابن عاصم ليس له مقاما هناك -على ما ذكر-، لاحتمال أن يكون صاحبها هو الناظم الأخر المدعى الذي ذكر أنه من أصحاب الشاطبي -أيضا- إلا أن هذا الشك تدحضه أمور:
أحدهما: ورود أبيات متشابهة في الألفاظ والتركيب إلى درجة التوحد في بعضها في هذه المنظومة، وفي منظومة أخرى له -لابن عاصم- في الأصول وهي (مرتقي الوصول إلى علم الأصول). ومن تلك الأبيات قوله في (المرتقي):
كالأكل في الحياة والحياة في العلم والوضوء في الصلاة
وقوله في (نيل المنى):
عادية كالأكل في الحياة شرعية كالحول في الصلاة
وقوله في (المرتقي) ص:72:
وأطلق الثاني على رفع الحرج وما أبيح رخصة فيه اندرج
وقوله في (نيل المنى) ص:19:
وآخر المعنى به رفع الحرج وسبب الرخصة في هذا اندرج
وقوله في (المرتقي) ص:115:
وغير محدود كهذا يطلب وما له في ذمة ترتــــب
وقوله في (نيل المنى) ص:11:
وغير ما قد حد فهو يطلب وما له في ذمة ترتب
وقوله في (المرتقي) ص:89:
واعتبر الرخصة فهي تحري مع انخرام عادة لعذر
وقوله في (نيل المنى) ص:23:
وعكسها الرخصة حيث تجري عند انخراق عادة لعذر
وقوله في (نيل المنى):
وهي تعبدات أو عادات ومع جنايات معاملات
وقوله في (المرتقى):
وهي تعبدات أو عادات ثم جنايات معامـلات
وقوله في (نيل المنى):
كــــأجرة المثل ومنع النظر لـــلأجنبي وقليل المسكر
وكاعتبار الكفء في ذات الصغر والجمع بين القربتين في السفر
وقوله في (المرتقي):
كالحد في شرب قليل المسكر وكاعتبار كفء ذات الصغر
وقوله في (نيل المنى):
أو مقتضى للدرء للفســاد كالحد والديات والجهاد
وقوله في (المرتقي):
وتارة بالدرء للفســاد كالحد والقصاص والجهاد
وقوله في (نيل المنى):
وبعده الحاجي وهو المفتقر اليه من حيث مصالح البشر
وقوله في (المرتقي):
وبعده الحاجي وهو ما افتقر له مكلف بأمر معتبر
وقوله في (نيل المنى):
وتطلق السنة في الا خبار للقول والفعل والإقــرار
وقوله في (المرتقى):
للقول والفعل والإقـــرار قسمت السنة بانحصــار
وغير ذلك مما جرى فيه التوافق والاتحاد في أبيات هاتين المنظومتين مما يدل على أن ناظمهما واحد، إذ من الاحتمال البعيد -إن لم يكن من المحال- بمقتضى هذا التوافق والاتحاد غير هذا.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *