اشتغاله بالحديث
وكما اشتغل أبو جعفر رحمه الله تعالى بالقراءة والإقراء اشتغل أيضا برواية الحديث فقد روى عن جابر بن عبد الله وزيد بن أسلم وهو من أقرانه وعبد الله بن عباس وعبد الله بن عمر بن الخطاب ومولاه عبد الله بن عياش بن أبي ربيعة وأبي هريرة ولقي أم سلمة.
وروى عنه إسماعيل بن جعفر وسليمان بن مسلم بن جماز الزهري وعبد الرحمن بن سعد بن عمار بن سعد القرظ وعبد السلام بن حفص المدني وعبد العزيز بن أبي حازم وعبد العزيز بن محمد الدراوردي وعبيد الله بن عمر العمري ومالك بن أنس ومحمد بن عبد الرحمن القرشي ونافع بن عبد الرحمن بن أبي نعيم القارئ ونجيح أبو معشر السندي (تهذيب الكمال33/201).
وقد روى له أبو داود وقال فيه ابن معين والنسائي: ثقة وقال أبو حاتم: صالح الحديث وقال ابن سعد: كان ثقة قليل الحديث.
إسناد قراءته
أخذ القراءة عن ابن عباس وأبي هريرة وعن مولاه عبد الله بن عياش بن أبي ربيعة المخزومي وكان عبد الله بن عياش قد قرأعلى أبي بن كعب وقرأ أبي على النبي -صلى الله عليه وسلم- (السبعة؛ ص:30)
عبادته وزهده وكراماته
قال الذهبي: كان عابداً صواماً قواماً مجوداً لكتاب الله (تاريخ الإسلام 8/310).
وروى ابن جماز عنه أنه كان يصوم يوماً ويفطر يوماً وهو صوم داود عليه السلام؛ واستمر على ذلك مدة من الزمان فقال له بعض أصحابه في ذلك فقال: إنما فعلت ذلك أروّض به نفسي لعبادة الله تعالى (معرفة القراء الكبار؛ ص:74).
وكان يصلي في جوف الليل أربع تسميات يقرأ في كل ركعة بالفاتحة وسورة من طوال المفصل ويدعو عقيبها لنفسه والمسلمين؛ ولكل من قرأ عليه وقرأ بقراءته بعده وقبله. (معرفة القراء الكبار؛ ص:74).
وعن نافع قال: كان أبو جعفر يقوم الليل فإذا أصبح جلس يقرئ الناس فيقع عليه النوم فيقول لهم خذوا الحصا فضعوه بين أصابعي ثم ضموها؛ فكانوا يفعلون ذلك وكان النوم يغلبه؛ فقال: أراني أنام على هذا فإذا رأيتموني قد نمت فخذوا خصلة من لحيتي فمدوها، قال فيمر عبد الله بن عياش مولاه فيرى ما يفعلون به، فيقول أيها الشيخ ذهبت بك الغفلة؛ فيقول أبو جعفر إن هذا الشيخ في خلقه شيء؛ دوروا بنا وراء القبر موضعا. رواها ابن مجاهد (السير 5/288).
وقيل: كان يتصدق حتى بإزاره، وكان من العباد. (السير 5/288).
وكان مع عبادته وتبتله مفتياً مجتهداً كبير القدر (تاريخ الإسلام 8/310).
وعن نافع بن أبي نعيم قال: لما غسل أبو جعفر يزيدُ بن القعقاع بعد وفاته نُظر إلى فؤاده مثل ورقة المصحف فما شك من حضر أنه نور القرآن. (السبعة ص: 58).
وقال سليمان بن مسلم: شهدت أبا جعفر وقد حضرته الوفاة جاءه أبو حازم الأعرج في مشيخة من جلسائه فأكبُّوا عليه يصرخون به فلم يجبهم، فقال شيبة وكان خَتَنه على ابنة أبي جعفر، ألا أريكم عجباً؟ قالوا: بلى؛ فكشف عن صدره فإذا دوارة بيضاء مثل اللبن، فقال أبو حازم وأصحابه هذا والله نور القرآن. (تاريخ دمشق 65/360).
كلماته النافعة
قال له رجل: هنيئا لك ما آتاك من القرآن، قال: ذاك إذا أحللت حلاله، وحرمت حرامه، وعملت بما فيه. (السير 5/288).
رواياته وطرقه
قال الذهبي: فأما قراءة أبي جعفر فدارت على أحمد بن يزيد الحلواني عن قالون عن عيسى بن وردان الحذاء عن أبي جعفر.
قرأ بها الفضل بن شاذان الداري وجعفر بن الهيثم عن الحلواني.
وأقرأ بها الزبير بن محمد العمري عن قراءته على قالون بإسناده.
وأقرأها سليمان بن داود الهاشمي عن سليمان بن مسلم بن جماز عن أبي جعفر.
وأقرأها الدوري عن إسماعيل بن جعفر عن أبي جعفر أو عن رجل عنه وأقرأه أبو جعفر طرقا عدة مذكورة في الكامل (معرفة القراء الكبار ص72).
قلت: وقد استوفى ابن الجزري واستوعب رواياته وطرقه في النشر 1/199 فانظره غير مأمور.
وفاته رحمه الله تعالى
توفي في المدينة (الأعلام للزركلي 8/186) في خلافة مروان بن محمد (طبقات ابن سعد نقلا عن التهذيب 12/51)، سنة سبع وعشرين ومائة (التقريب 2/376)، وقيل سنة ثلاثين (الطبقات لخليفة بن خياط ص:262)، وقيل: سنة ثنتين وثلاثين ومائة (مشاهير علماء الأمصار لابن حبان ص124)، وقيل سنة ثمان وعشرين ومائة وقيل سنة ثلاثة وثلاثين (وفيات الأعيان 6/275)، وأبعد الهذلي في كامله حيث قال سنة عشر.
وعاش نيفا وتسعين سنة رحمه الله. (السير5/288).
إلى هنا انتهت حلقة هذا العدد، وقد بقي فيها بقية سنذكر فيها الجواب على كلام العلماء في قراءة حمزة، فترقبوها.