تخريج حديث في حب آل البيت ذ. محمد أبو الفتح

روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «أَحِبُّوا الله لِمَا يَغْذُوكُمْ مِنْ نِعَمِهِ، وَأَحِبُّونِي بِحُبِّ الله، وَأَحِبُّوا أَهْلَ بَيْتِي لِحُبِّي». 

هذا الحديث أخرجه:
* الترمذي في كتاب المناقب، باب: مناقب أهل بيت النبي صلى الله عليه وسلم، (ح:3789)، وقال بعده: “هذا حديث حسن غريب إنما نعرفه من هذا الوجه”،
* والطبراني في الكبير (10664)،
* و الحاكم في المستدرك (ح:4716)، وقال بعده: “هذا حديث صحيح الإسناد، ولم يخرجاه”؛ ووافقه الذهبي على تصحيحه،
* والبيهقي في شعب الإيمان (408-1378).
كلهم من طريق هشام بن يوسف عن عبد الله بن سليمان النوفلي عن محمد بن علي بن عبد الله بن عباس عن أبيه عن ابن عباس رضي الله عنه به.
هذا إسناد رجاله كلهم ثقات إلا عبد الله بن سليمان النوفلي، فقد قال فيه الذهبي في الميزان (2/432): “فيه جهالة، ما حدث عنه سوى هشام بن يوسف بالحديث الذي أخبرناه الأبرقوهي…” فذكر هذا الحديث.
وقال فيه الحافظ ابن حجر: “مقبول”، أي: حيث يتابع وإلا فَلَيِّنُ الحديث؛. فالإسناد ضعيفٌ من أجل النوفلي هذا؛ ولذلك ضعفه الشيخ الألباني رحمه الله في ضعيف الترمذي (792).
لكن هذا الحديث، وإن كان إسناده ضعيفا، إلا أن معناه صحيح، وإليكم البيان:
فأما محبة الله فلا يصح الإيمان إلا بها، كما قال تعالى: “وَمِنَ النَّاسِ مَن يَتَّخِذُ مِن دُونِ اللّهِ أَندَاداً يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللّهِ وَالَّذِينَ آمَنُواْ أَشَدُّ حُبّاً لله وَلَوْ يَرَى الَّذِينَ ظَلَمُواْ إِذْ يَرَوْنَ الْعَذَابَ أَنَّ الْقُوَّةَ لِلّهِ جَمِيعاً وَأَنَّ اللّهَ شَدِيدُ الْعَذَابِ” (البقرة165)، ومحبة الله تعالى تستدعي وتستلزم محبة مَحَابِّه تبارك وتعالى، ومن ذلك حُبُّ أوليائه وأصفيائه من خلقه.
وأما محبة الرسول صلى الله عليه وسلم فقد قال عليه الصلاة والسلام: «لاَ يُؤْمِنُ أَحَدُكُمْ حَتَّى أَكُونَ أَحَبَّ إِلَيْهِ مِنْ وَالِدِهِ وَوَلَدِهِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ» متفق عليه.
وأما محبة آل بيته فقد أوصانا بهم نبينا صلى الله عليه وسلم خيرا، فقال: «…أَلاَ أَيُّهَا النَّاسُ فَإِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ، يُوشِكُ أَنْ يَأْتي رَسُولُ رَبِّي فَأُجِيبَ، وَأَنَا تَارِكٌ فِيكُمْ ثَقَلَيْنِ: أَوَّلُهُمَا كِتَابُ الله، فِيهِ الْهُدَى وَالنُّورُ، فَخُذُوا بِكِتَابِ الله وَاسْتَمْسِكُوا بِهِ»، فَحَثَّ عَلَى كِتَابِ الله وَرَغَّبَ فِيهِ، ثُمَّ قَالَ: «وَأَهْلُ بَيْتِي، أُذَكِّرُكُمُ الله فِي أَهْلِ بَيْتِي، أُذَكِّرُكُمُ الله فِي أَهْلِ بَيْتِي، أُذَكِّرُكُمُ الله فِي أَهْلِ بَيْتِي» أخرجه مسلم (2408).
فلهذا؛ أهلُ السنة يوالون آل بيت النبي صلى الله عليه وسلم، الذين هم بنو هاشم وبنو المطلب الذين حرمت عليهم الصدقة، ومن آل بيته صلى الله عليه وسلم أزواجه؛ لقوله تعالى: “يَا نِسَاء النَّبِيِّ لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِّنَ النِّسَاء إِنِ اتَّقَيْتُنَّ فَلَا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ وَقُلْنَ قَوْلاً مَّعْرُوفاً، وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلَا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَى وَأَقِمْنَ الصَّلَاةَ وَآتِينَ الزَّكَاةَ وَأَطِعْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً” (الأحزاب32-33).
وآل البيت الذين أُمِرْنَا بمحبتهم هم الذين بَقُوا على ما تركهم عليه نبينا صلى الله عليه وسلم من الاستمساك بالكتاب والسنة، وما بَدَّلوا تبديلا، وأما مَنْ غَيَّرَ وَبَدَّل، ونقض عهد الله ورسوله، فقد قال صلى الله عليه وسلم: “منْ رَغِبَ عَنْ سُنَّتِي فَلَيْسَ مِنِّي” متفق عليه.
وأهل السنة وَسَطٌ في أهل البيت بين النواصب الجفاة في أهل البيت، وبين الروافض الغلاة فيهم، فأما النواصب فقد ناصبوا أهل البيت العداء، مخالفين بذلك وصية النبي صلى الله عليه وسلم؛ وأما الروافض فقد غلوا في آل البيت حتى وصفوهم بما لا ينبغي إلا لله تعالى، ومِن مظاهر غلوهم المفرط، ما يصنعونه يوم عاشوراء من الطقوس الشيطانية، حُزْناً منهم بزعمهم على استشهاد الحسين بن علي رضي الله عنه وأرضاه.
وقد رُويت أحاديث كثيرة ضعيفة وموضوعة في فضائل أهل البيت، كما وضعت أحاديث في فضائل الأنبياء والصحابة وغيرهم، فالواجب هو الاكتفاء بما صح من الأحاديث والاستغناء بها عما لم يصح، فإن في الصحيح غنية عن الضعيف والموضوع، وفي الصدق مندوحة عن الكذب.
وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه.

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *