فضل الصلاة مع الجماعة ووجوبها

شرع الله تعالى لهذه الأمة الاجتماع في المساجد في أوقات معلومة منها ما هو في اليوم والليلة كالصلوات الخمس، ومنها ما هو في الأسبوع وهو صلاة الجمعة، ومنها ما هو في السنة وهو صلاة العيدين لجماعة كل بلد، ومنها ما هو اجتماع عام في السنة وهو الوقوف بعرفة لأجل التواصل والإحسان والتعاطف والرعاية، ولأجل نظافة القلوب ولأجل معرفة أحوال بعضهم لبعض يقومون بعيادة المرضى وتشييع الموتى ومساعدة المحتاجين وإغاظة العدو.

وحقيقة صلاة الجماعة ربط صلاة المأموم بصلاة الإمام. والتهاون بالجماعة وسيلة إلى ترك الصلاة بالكلية، لما تقدم وغيره فرض الله على الرجال المقيمين أداء الصلوات الخمس في أوقاتها مع الجماعة في المساجد لحكم بالغة وفوائد جسيمة ففي كل خطوة يمشيها الرجل إلى المسجد رفع درجة وحط خطيئة، وهو في عبادة من حين يخرج من بيته إلى المسجد حتى يرجع، ويحصل في الاجتماع أيضا التعارف وتبادل التحية والسلام، ولا يزال المسلم في صلاة ما انتظرها، والملائكة تصلي عليه وتستغفر له وتدعو له بالمغفرة والرحمة ما دام في مصلاه، قال صلى الله عليه وسلم: «صلاة الجماعة أفضل من صلاة الفذ بسبع وعشرين درجة، وقال: “صلاة الرجل في الجماعة تضعف على صلاته في بيته وفي سوقه خمسًا وعشرين ضعفًا”، وذلك أنه إذا توضأ فأحسن الوضوء ثم خرج إلى المسجد لا يخرجه إلا الصلاة لم يخط خطوة إلا رفعت له بها درجة، وحط عنه بها خطيئة، فإذا صلى لم تزل الملائكة تصلي عليه ما دام في مصلاه تقول: اللهم صل عليه اللهم اغفر له، اللهم ارحمه، ولا يزال في صلاة ما انتظر الصلاة»( 1).
وهذا شيء عظيم لا يستهان به.
وقال عبد الله بن مسعود: “من سره أن يلقى الله غدًا مسلمًا فليحافظ على هؤلاء الصلوات الخمس حيث ينادي بهن، فإن الله شرع لنبيكم صلى الله عليه وسلم سنن الهدى، وإنهن من سنن الهدى، ولو أنكم صليتم في بيوتكم كما يصلي هذا المتخلف في بيته لتركتم سنة نبيكم، ولو تركتم سنة نبيكم لضللتم، ولقد رأيتنا وما يتخلف عنها إلا منافق معلوم النفاق، أو مريض، ولقد كان الرجل يؤتى به يهادى بين الرجلين حتى يقام في الصف”(2 ).
وهذا دليل ظاهر على استقرار وجوبها عند أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم، فالتخلف عن الجماعة معصية عظيمة وكبيرة من كبائر الذنوب. ويكون اعتناء المسلم بصلاة العشاء والفجر مع الجماعة أشد، لأن النبي صلى الله عليه وسلم أخبر أن هاتين الصلاتين أثقل الصلوات على المنافقين، ولو يعلمون ما فيهما لأتوهما ولو حبوًا، وقال صلى الله عليه وسلم: «من صلى العشاء في جماعة فكأنما قام نصف الليل، ومن صلى العشاء والفجر في جماعة فكأنما قام الليل كله»(3 ) وقد قال تعالى: واركعوا مع الراكعين( 4) أي صلوا مع المصلين والأمر للوجوب.
وقد شرعت صلاة الخوف جماعة أمام العدو وفي ميدان القتال، فلو كان في التخلف عن الجماعة رخصة لرخص للمجاهدين أمام العدو في تلك الساعة الحرجة، فكيف بالآمن المطمئن؟
وقد همَّ النبي صلى الله عليه وسلم بتحريق بيوت المتخلفين عن الصلاة مع الجماعة عليهم ولم يمنعه من ذلك إلا ما في البيوت من النساء والأطفال الذين لا تجب عليهم الصلاة مع الجماعة.
وجاءه صلى الله عليه وسلم رجل أعمى يستأذنه أن يصلي في بيته البعيد عن المسجد فلم يرخص له ما دام يسمع الأذان، فكيف بمن يكون صحيح البصر سليما لا عذر له أفلا يستحي من ربه فيجيب داعي الله ويؤدي فريضته التي فرضها الله عليه.
وكل ما تقدم أدلة صحيحة صريحة في وجوب أداء الصلاة مع الجماعة في المساجد التي بنيت من أجلها وشرع الأذان لأجلها في بيوت أذن الله أن ترفع ويذكر فيها اسمه(5 ) إنما يعمر مساجد الله من آمن بالله (6).
فالصلاة في المساجد مع الجماعة من أوكد العبادات وأجل الطاعات وأعظم القربات.
وبالله التوفيق. (الصلاة الكاملة وأثرها في حياة المسلم لعبد الله الجار الله)

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

([1]) متفق عليهما.

([12]) رواه مسلم.

([3]) رواه مسلم

([4]) البقرة 43.

([5]) النور 36.

([6]) التوبة 18.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *