“أحاديث ضعيفة وباطلة في فضل رجب” ذ. محمد أبوالفتح

لقد أظلنا في هذه الأيام شهر من الأشهر الحرم، ألا وهو شهر رجب، وقد رويت في فضله أحاديث كثيرة لم يثبت منها شيء عن النبي صلى الله عليه وسلم.

– قال الإمام ابن دحية: “لا يصح منها لا في الصلاة في أول رجب، ولا في النصف منه، ولا في آخره، وكذلك صيامه لا في أوّله ولا في وسطهِ، ولا في آخره، ولا في عَدد أيامٍ منْه” (أداء ما وجب ص 49).
– وقال الإمام قال ابن القيم: “كل حديث في ذكر صوم رجب، وصلاة بعض الليالي فيه فهو كذب مفترى” (المنار المنيف 96).
– وقال الحافظ ابن حجر: “لم يرد في فضل شهر رجب، ولا في صيامه، ولا في صيام شيء منه معين، ولا في قيام ليلة مخصوصة فيه، حديث صحيح يصلح للحجة”.(تبيين العجب: ص6)
وهذه بعض الأحاديث الضعيفة والباطلة التي وردت في شهر رجب، والتي ذكرها الحافظ ابن حجر في كتابه العجب: “تبيين العجب بما ورد في شهر رجب”، سأذكرها مختصرة، مقرونة بما ذكره الحافظ فيها، أو نقله عن غيره من العلماء.

أولا: مما رُوِيَ في فضل شهر رجب
– حديث: ” رجب شهر الله، وشعبان شهري، ورمضان شهر أمتي… ” (قال الإمام ابن دحية: موضوع).
– حديث: “فضل شهر رجب على سائر الشهور، كفضل القرآن على سائر الأذكار…”. (في إسناده السقطي، قال ابن حجر: “كان مشهورا بوضع الحديث، وتركيب الأسانيد”)
– حديث: “رجب، شهر الله ويُدعى الأصم، وكان أهل الجاهلية إذا دخل رجب يعطلون أسلحتهم..” (في إسناده أبان وغالب، قال ابن حجر: معروفان بوضع الحديث).
– حديث: “اللهم بارك لنا في رجب وشعبان وبلغنا رمضان” (تفرد به زائدة بن أبي الرقاد: قال ابن حجر في التقريب: منكر الحديث).
– حديث: “من فرج عن مؤمن كربة في رجب أعطاه الله تعالى في الفردوس قصرا مد بصره، أكرموا رجبا يكرمكم الله بألف كرامة”. (قال ابن حجر: هو متن لا أصل له، بل اختلقه أبو البركات هبة الله بن المبارك السقطي -لا بارك الله فيه- ووضع إسنادا رجاله ثقات).
– حديث: “أيها الناس، إنه قد أظلكم شهر عظيم، شهر رجب، شهر الله، الأصم، تضاعف فيه الحسنات، وتستجاب فيه الدعوات..” (قال ابن حجر: هذا حديث موضوع وإسناده مجهول”.

ثانيا: مما روي في فضل صيام رجب
– حديث: “إن في الجنة نهرا يقال له رجب: ماؤه أشد بياضا من اللبن، وأحلى من العسل: من صام يوما من رجب سقاه الله من ذلك النهر”. (قال الذهبي في الميزان: باطل، وله شاهد عن أبي سعيد قال فيه ابن حجر: باطل).
– حديث : ” لم يصم بعد رمضان إلا رجب وشعبان “.(قال ابن حجر: هو حديث منكر من أجل يوسف بن عطية، فإنه ضعيف جدا).
– حديث: “رجب شهر الله الأصم، من صام من رجب يوما إيمانا واحتسابا استوجب رضوان الله الأكبر”. (قال ابن حجر: متن لا أصل له، اختلقه أبو البركات السقطي، وركب له إسنادا).
– حديث: “من صام ثلاثة أيام من رجب كتب الله له صيام شهر، ومن صام سبعة أيام أغلق عنه سبعة أبواب النار..” (فيه عمرو بن الأزهر، وأبان بن أبي عياش: الأول: كذبه يحي بن معين وغيره، والثاني: متروك كما في التقريب).
– حديث: “رجب من أشهر الحرم، وأيامه مكتوبة على أبواب السماء السادسة، فإذا صام الرجل منه يوما، وجود صومه بتقوى الله، نطق الباب ونطق اليوم، فقالا: يا رب اغفر له..”.(في إسناده إسماعيل بن يحي التيمي، وهو مذكور بالكذب).
– حديث: “من صام يوما من رجب كان كصيام سنة، ومن صام سبعة أيام غلقت عنه أبواب جهنم..” (فيه عثمان بن مطر، قال ابن حجر: كذبه ابن حبان، وأجمع الأئمة على ضعفه”.
– حديث: “إن شهر رجب شهر عظيم، من صام منه يوما كتب الله له صوم ألف سنة..” (قال ابن حجر: هو حديث موضوع، لا شك فيه؛ والمتهم به الخُتَّلي).
– حديث: “من صام يوما من رجب عدل صيام شهر”. (فيه رشدين والحكم: قال ابن حجر: متروكان).
– حديث: أن رجلا سأل أبا الدرداء عن صيام رجب، فقال: “سألت عن شهر كانت الجاهلية تعظمه في جاهليتها، وما زاده الإسلام إلا فضلا وتعظيما، ومن صام منه يوما تطوعا، يحتسب به ثواب الله ويبتغي به وجه الله مخلصاً أطفأ صومه ذلك اليوم غضب الله..” (قال ابن حجر: وهذا حديث موضوع ظاهر الوضع، قبح الله من وضعه، فوالله لقد وقف شعري من قراءته في حال كتابته، فقبح الله من وضعه، ما أجرأه على الله وعلى رسوله).

ثالثا: مما رُوي في قيامه بعض لياليه
1. ما رُوي في قيام ليلةٍ من رجب
– حديث ابن عباس: “من صام يوما من رجب، وصلى فيه أربع ركعات.. لم يمت حتى يرى مقعده من الجنة، أو يرى له”. (قال ابن الجوزي في الموضوعات: هذا حديث موضوع على رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأكثر رواته مجاهيل).
2. ما رُوي في قيام أول ليلة من رجب
– حديث أنس: “من صلى المغرب من أول ليلة من رجب، ثم صلى بعدها عشرين ركعة..” (قال ابن الجوزي: هذا موضوع، وأكثر رجاله مجاهيل).
3. ما روي في قيام ليلة أول جمعة من رجب (صلاة الرغائب)
– حديث طويل مما جاء فيه: “..وما من أحد يصوم يوم الخميس، أول خميس من رجب، ثم يصلي فيما بين العشاء والعتمة، يعنى ليلة الجمعة اثني عشرة ركعة.. ثم يسأل الله تعالى حاجته، فإنها تقضى..” (قال ابن الجوزي: حديث موضوع على رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقد اتهموا به ابن جهضم، فنسبوه إلى الكذب).
– وهذه الصلاة تسمى بصلاة الرغائب، قال فيها الإمام النووي في شرحه لحديث النهي عن تخصيص يوم الجمعة بصيام، وليلته بقيام: “احتج به العلماء على كراهة هذه الصلاة المبتدعة التي تسمى الرغائب، قاتل الله واضعها ومخترعها، فإنها بدعة منكرة، من البدع التي هي ضلالة وجهالة، وفيها منكرات ظاهرة، وقد صنف جماعة من الأئمة مصنفات نفيسة في تقبيحها وتضليل مصليها ومبتدعها، ودلائل قبحها وبطلانها وتضليل فاعلها أكثر من أن تحصر” (شرح مسلم 8/20).
4. ما جاء في صلاة النصف من رجب
– حديث : “من صلى ليلة النصف من رجب، أربع عشرة ركعة… بعث الله إليه ألف ملك، يكتبون له الحسنات…” (قال ابن الجوزي: هذا موضوع، ورواته مجهولون، ولا يخفى تركيب إسناده ورجاله، والظاهر أنه من عمل الحسين بن إبراهيم).
5. ما جاء في قيام ليلة السابع والعشرين من رجب وصيام يومها
– حديث: “في رجب يوم وليلة، من صام ذلك اليوم، وقام تلك الليلة كان كمن صام من الدهر مائة سنة، وقام مائة سنة، وهو لثلاث بقين من رجب، وفيه بعث الله محمدًا”. (قال ابن حجر: هذا حديث منكر إلى الغاية).
– حديث “بعثت نبيا في السابع والعشرين من رجب، فمن صام ذلك اليوم كان كفارة ستين شهرا” (قال ابن حجر في إسناده: منكر).
– وبالجملة فإنه لم يثبت في شهر رجب شيء يصح التعبد به لله تعالى؛ ولهذا فقد ثبت عن عمر بن الخطاب أنه كان يضرب أيدي الرجال في رجب إذا رفعوها عن الطعام حتى يضعوها فيه، ويقول: إنما هو شهر كان أهل الجاهلية يعظمونه (رواه سعيد بن منصور، وإسناده صحيح).
وكان ابن عباس، ينهى عن صيام رجب كله: ألا يتخذ عيدا. (رواه عبد الرزاق، وصحح الحافظ إسناده).
قال ابن حجر في “تبيين العجب”: “فهذا النهي منصرف إلى من يصومه معظما لأمر الجاهلية، أما إن صامه لقصد الصوم في الجملة، من غير أن يجعله حتما، أو يخص منه أياما معينه يواظب على صومها، أو ليال معينة يواظب على قيامها، بحيث يظن أنها سنة، فهذا من فعله مع السلامة مما استثنى، فلا بأس به. فإن خص ذلك، أو جعله حتما فهذا محظور… وإن صامه معتقدا أن صيامه، أو صيام شيء منه أفضل من صيام غيره، ففي هذا نظر. ويقوي جانب المنع ما في الصحيح، عن ابن عباس -رضي الله عنهما- قال: ما رأيت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يتحرى صوم يوم يفضله على غيره إلا هذا اليوم: يوم عاشوراء، وهذا الشهر، يعنى: رمضان”.
وذكر الإمام أبو بكر الطرطوشي أن شهر رجب “يكره صومه على أحد ثلاثة أوجه:
أنه إذا خصه المسلمون بالصوم من كل عام حسب العوام… أنه فرض كشهر رمضان، أو أنه سنة ثابتة…، أو أن الصوم فيه مخصوص بفضل ثواب على سائر الشهور” (مختصر الحوادث والبدع ص93). والله أعلم.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *