التوحيد أول واجب دعا إليه الرسل، وهو أصل ولبُّ دعوتهم قال تعالى:”وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَّسُولاً أَنِ اعْبُدُواْ اللّهَ وَاجْتَنِبُواْ الطَّاغُوتَ” (النحل)، والتوحيد هو أعظم حق الله تعالى على عبيده، ففي الصحيحين من حديث معاذ قال: قال رسول الله: “حق الله على العباد أن يعبدوه ولا يشركوا به شيئاً” فمن حقق التوحيد دخل الجنة ومن فعل أو اعتقد ما ينافيه ويناقضه فهو على خطر عظيم.
هذه الكلمة قامت بها السماوات والأرض، وخلقت لأجلها جميع المخلوقات، وبها أرسل الله تعالى رسله، وأنزل كتبه وشرع شرائعه، ولأجلها نصبت الموازين ووضعت الدواوين، وقام سوق الجنة والنار، وبها انقسمت الخليقة إلى مؤمنين وكفار، وأبرار وفجار، وهي الحق الذي خلقت له الخليقة، وعنها وعن حقوقها السؤالُ والحسابُ، وعليها يقع الثواب والعقابُ، وعليها نصبت القبلة وعليها أسست الملة، ولأجلها جردت سيوف الجهاد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله” (متفق عليه)، وهي حق الله على جميع العباد، فهي كلمة الإسلام ومفتاح دارِ السلام وعنها يسأل الأولون والآخِرون، فلا تزول قدما العبد بين يدي الله حتى يسأل عن مسألتين: ماذا كنتم تعبدون؟ وماذا أجبتم المرسلين؟
فجواب الأولى: بتحقيق لا إله إلا الله معرفة وإقرارا وعملاً، وجوابُ الثانية: بتحقيق أن محمدا رسول الله معرفةً وإقراراً وانقيادً وطاعةً.
ثم إنه ليس كل من قال لا إله إلا الله يكون موحداً بل لا بد من توفر شروط سبعة ذكرها أهل العلم:
1- العلم بمعناها والمراد منها نفياً وإثباتاً، فلا معبود بحق إلا الله تعالى.
2- اليقين بمدلولها يقيناً جازماً.
3- القبول لما تقتضيه هذه الكلمة بقلبه ولسانه.
4- الانقياد لما دلَّت عليه.
5- الصدق، فيقولها بلسانه ويوافق ذلك قلبه.
6- الإخلاص المنافي للرياء.
7- حب هذه الكلمة وما اقتضته.
أنواع التوحيد
والتوحيد ثلاثة أنواع: توحيد الربوبية، وتوحيد الإلهية، وتوحيد الأسماء والصفات.
فتوحيد الربوبية: هو إفراد الله تعالى بالخلق والرزق والإحياء والإماتة وسائر أنواع التصريف، والتدبير لملكوت السموات والأرض، وإفراده تعالى بالحكم والتشريع بإرسال الرسل وإنزال الكتب، قال تعالى: “أَلاَ لَهُ الْخَلْقُ وَالأَمْرُ تَبَارَكَ اللّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ” (الأعراف).
وتوحيد الألوهية: هو إفراد الله تعالى بالعبادة فلا يعبد غيره، ولا يدعى سواه، ولا يستغاث ولا يستعان إلاّ به، ولا ينذر ولا يذبح ولا ينحر إلاّ له، قال الله تعالى: “قُلْ إِنَّ صَلاَتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ، لاَ شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَاْ أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ” (الأنعام)، وقال: “فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ ” (الكوثر).
وتوحيد الأسماء والصفات: هو وصف الله تعالى وتمسيته بما وصف وسمّى به نفسه، وبما وصفه وسمّاه به رسوله صلى الله عليه وسلم في الأحاديث الصحيحة، وإثبات ذلك له من غير تشبيه ولا تمثيل، ومن غير تأويل ولا تعطيل: “لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ ” (الشورى/11).
وتحقيق التوحيد سبيل السعادة في الدنيا والآخرة، ومخالفته سبيل للشقاوة والحرمان، وتحقيق التوحيد سبيل لاجتماع الأمة وتوحيد صفوفها وكلمتها والخلل في التوحيد سبب الفرقة والتشتت.