التوكل نصف الدين

“التوكل: هو الاعتماد على الله سبحانه وتعالى في جلب المطلوب وزوال المكروه، مع فعل الأسباب المأذون فيها”، و”هو حال للقلب ينشأ عن معرفته بالله، وتفرده بالخلق والتدبير، والضر والنفع، والعطاء والمنع، وأنه ما شاء كان وإن لم يشأ الناس، وما لم يشأ لم يكن وإن شاءه الناس، فيوجب له هذا اعتماداً عليه، وتفويضاً إليه، وطمأنينة به، وثقة به، ويقيناً بكفايته لما توكل عليه فيه” المدارج.
والتوكل نصف الدين، وقد ورد ذكره في كثير من آيات القرآن الكريم والأحاديث النبوية الصحيحة، ومن ذلك: قوله تعالى: “وَعَلَى اللَّهِ فَتَوَكَّلُوا إن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ” المائدة، وقوله تعالى: “وَمَن يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ” الطلاق، وقال تعالى عن أوليائه: “رَّبَّنَا عَلَيْكَ تَوَكَّلْنَا وَإلَيْكَ أَنَبْنَا وَإلَيْكَ المَصِيرُ” الممتحنة، وقال تعالى لرسوله: “فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إنَّكَ عَلَى الحَقِّ المُبِينِ” النمل.
وفي صحيح البخاري عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: “حسبنا الله ونعم الوكيل” قالها إبراهيم، حين ألقي في النار، وقالها محمد حين قالوا له: “إنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إيمَاناً وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الوَكِيلُ”.
وعن عمر رضي الله عنه مرفوعاً: “لو أنكم تتوكلون على الله حق توكله لرزقكم كما يرزق الطير: تغدو خماصاً، وتروح بطاناً” (صحيح سنن الترمذي، ح: 1911).
وفي الصحيحين: حديث السبعين ألفاً الذين يدخلون الجنة بغير حساب “هم الذين لا يسترقون، ولا يتطيرون، ولا يَكْتَوون، وعلى ربهم يتوكلون”.
التوكل وأنواعه
1- توكل الموحدين الصادقين
وحقيقته: الاعتماد على الله عز وجل وحده، والثقة بكفايته مع فعل الأسباب المأذون فيها من غير اعتماد عليها ولا ركون إليها؛ فخالق الأسباب ومسببها هو الله وحده.
2- التوكل الشركي، وهو نوعان
أ- أكبر، وهو: “الاعتماد الكلي على الأسباب، واعتقاد أنها تؤثر استقلالاً في جلب المنفعة أو دفع المضرة، وهذا من الشرك الأكبر”.
ب- الشرك الأصغر، وهو: “الاعتماد على شخص في رزقه ومعاشه.. وغير ذلك، من غير اعتقاد استقلاليته في التأثير، لكن التعلق به فوق اعتقاد أنه مجرد سبب، مثل اعتماد كثير من الناس على المالية في الراتب، ولهذا تجد أحدهم يشعر من نفسه أنه معتمد على هذا الراتب أو من يقرر الراتب اعتماد افتقار، فتجد في نفسه من المحاباة لمن يكون هذا الرزق عنده ما هو ظاهر” (شرح كتاب التوحيد لابن عثيمين).
التوكل الجائز
“وهو أن يُوكِّلَ الإنسان في فعل يقدر عليه، فيحصل للموكِّل بذلك بعض مطلوبه، فأما مطالبه كلها فلا يقدر عليها إلا الله وحده” (جامع الرسائل لابن تيمية)، “كمن وكّل شخصاً في شراء شيء أو بيعه، فهذا لا شيء فيه، لأنه اعتمد عليه، وكأنه يشعر أن المنزلة العليا له فوقه، لأنه جعله نائباً عنه، وقد وكل النبي علي بن أبي طالب أن يذبح ما بقي من هديه، ووكل أبا هريرة على الصدقة، ووكل عروة بن الجعد أن يشتري له أضحية” (شرح كتاب التوحيد لابن عثيمين)، ولكن توكيل المخلوق غايته أن يفعل بعض المأمور، وهو لا يفعل ذلك إلا بإعانة الله له، فرجع الأمر كله لله وحده.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *