هل يجوز التلفظ والجهر بالنية عند الطاعة؟

من الاخطاء الشائعة بين الناس التلفظ وكذا الجهر بالنية عند الطاعات، بأن يقول القائل مثلا: نويت أن أصلي صلاة الظهر ونحوه، كل ذلك ظنا أن هذا أمر لا بد منه لأجل أن النية شرط لصحة العبادة مصداقا لقوله عليه الصلاة والسلام: “إنما الأعمال بالنيات”.
فنقول: النية كما قرر علماء اللغة: من قولك نويت نية ونواة إذا عزمت فالنية إذن هي العزم على الشيء، وهذا الذي يقصده الفقهاء في كتب الفقه عند ذكر النية.
ولا شك أن النية شرط لصحة العمل كما دل عليه الحديث السالف، وكما قال السعدي رحمه الله في نظمه:
النية شرط لسائر العمل *** بها الصلاح والفساد للعمل
والإجماع محكي على اشتراط النية لسائر الأعمال وقد حكاه غير واحد من أهل العلم كابن المنذر وابن قدامة رحمهما الله في آخرين.
إلا أنه ينبغي أن يعلم أن النية محلها القلب وهذا أمر متفق عليه كما حكى ذلك ابن تيمية والنووي رحمهما الله في آخرين.
قال الناظم:
أما محلها فقلب الناوي *** في كلِّ موضع بلا مناوي
والجهر بالنية لا يجب ولا يستحب باتفاق العلماء كما حكى شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله.
وقال العلامة المالكي أبو عبد الله محمد ابن القاسم التونسي رحمه الله: “النية من أعمال القلوب فالجهر بها بدعة مع ما في ذلك من التشويش على الناس” مجموعة الرسائل.
أما التلفظ بها دون الجهر ففي استحبابها خلاف والأكثر على الاستحباب كما حكاه ابن تيمية رحمه الله، بل قال رحمه الله: “بل التلفظ بالنية نقص في العقل والدين أما في الدين فلأنه بدعة، وأما في العقل فلأنه بمنزلة من يريد أن يأكل طعاما فيقول نويت بوضع يدي في هذا الإناء أني أريد أن آخذ منه لقمة فأضعها في فمي فأمضغها ثم أبلعها فأشبع”.
وقال السيوطي رحمه الله: “ومن البدع أيضا: الوسوسة في نية الصلاة، ولم يكن ذلك من فعل النبي صلى الهع عليه وسلم ولا أصحابه، كانوا لا ينطقون بشيء من نية الصلاة سوى التكبير وقد قال تعالى: (لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَة).
وقال الشافعي رحمه الله: “الوسوسة في نية الصلاة والطهارة من جهلٍ بالشرع أو خبل بالعقل” (الأمر بالاتباع).
أما من قال من الفقهاء باستحباب التلفظ بالنية دون الجهل، فاستدلوا بتلبية النبي صلى الله عليه وسلم لعمرته وحجته وذلك تابث عنه صلى الله عليه وسلم، قالوا: في ذلك دلالة على تلفظه بها (أي النية) حيث كان يقول: “لبيك عمرة”، أو “لبيك عمرة وحجا”، فيقاس على ذلك غير الحج من العبادات المختلفات.
وهذه حجة مردودة: ففرق بين التلبية والنية، فالتلبية شعيرة النسك وهي تحدث بعد النية العمل، فالنبي صلى الله عليه وسلم نوى العمرة والحجة، وأحرم بذلك قبل التلبية فتأمل.
قال ابن القيم في الزاد: “لم يأت عن الرسول ولا صحبه رضوان الله عليهم ولا التابعين ولا الأئمة المتبوعين، أنهم تلفظوا بالنية أو رأى أحد منه استحبابها، ولذلك جزم شيخ الإسلام ببدعية ذلك، وقال بذلك جمهرة من المالكية..”.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *