من الحكم في ذكر أسماء الله تعالى: “الله، الرب، الرحمن، الرحيم و المالك -الملك-” مجموعة في فاتحة الكتاب الحلقة الخامسة عشرة ناصر عبد الغفور

قبل أن نتابع هذه السلسلة المباركة في شرح تسعة وتسعين اسما من أسماء الله جل وعلا، لا بأس أن نقف في هذه الحلقة على بعض الحكم في إيراد الأسماء الخمسة -التي مرت معنا- في فاتحة القرآن الكريم.
من هذه الحكم:
1- أن هذه الأسماء دلت على أنواع التوحيد الثلاث : فاسم “الله” دل على توحيد الألوهية واسم “الرب” دل على توحيد الربوبية وأسماء “الرحمن، الرحيم والمالك” دلت على توحيد الأسماء والصفات.
ولا يستقيم توحيد عبد إلا إذا وحد الله تعالى في هذه الأقسام الثلاث، وللأسف فإنه في ما يخص أعظم أنواع التوحيد -أي توحيد الألوهية- فإن كثيرا من المسلمين لا يحققونه ويصدق فيهم قوله جل وعلا:
“وما يؤمن أكثرهم بالله إلا و هم مشركون”. وبنظرة في المواسم والأضرحة والقباب المنتشرة هنا وهناك تتبين هذه الحقيقة المرة…
وهذا عين الضلال- عياذا بالله-، فإن توحيد الربوبية يستلزم توحيد الألوهية، ولهذا كثيرا ما يحتّج الله تعالى بربوبيته على وجوب تأليهه وحده سبحانه، كما في قوله تعالى في أول أمر إلهي في القرآن:
“يا أيها الناس اعبدوا ربكم الذي خلقكم والذين من قبلكم لعلكم تتقون، الذي جعل لكم الأرض فراشا والسماء بناء وأنزل من السماء ماء فأخرج به من الثمرات رزقا لكم، فلا تجعلوا لله أندادا وأنتم تعلمون” البقرة-21-22.
أما فيما يتعلق بتوحيد الأسماء والصفات فقد زلت فيه أقدام وضلت فيه أفهام وانقسم فيه الناس فرقا وأحزابا كل حزب بما لديهم فرحون، فبعضهم أراد التنزيه فوقع في التعطيل؛ وبعضهم لم يثبت من الأسماء إلا ما دل عليه العقل في زعمه وبعضهم شبه الله بخلقه، وبعضهم ألحد في أسماءه فسماه بأسماء لا تليق به سبحانه.
فقراءتنا لهذه الأسماء في فاتحة كتاب ربنا يجب أن تثمر تحقيق توحيده سبحانه، التوحيد الحق، فكل المسلمين يقرؤون هذه السورة المباركة في صلواتهم، فهل يتدبرون معاني هذه الأسماء وما دلت عليه من توحيد الله سبحانه؟
2- ومن الحكم ما ذكره الإمام ابن القيم رحمه الله: “وتأمل ارتباط الخلق والأمر بهذه الأسماء الثلاثة وهي “الله والرب والرحمن” كيف نشأ عنها الخلق والأمر والثواب والعقاب، وكيف جمعت الخلق وفرقتهم، فلها الجمع ولها الفرق.
فاسم “الرب” له الجمع الجامع لجميع المخلوقات، فهو رب كل شيء وخالقه، والقادر عليه، لا يخرج شيء عن ربوبيته، وكل من في السموات والأرض عبد له في قبضته، وتحت قهره، فاجتمعوا بصفة الربوبية، وافترقوا بصفة الإلهية فألهه وحده السعداء…فالدين والشرع والأمر والنهي..: من صفة الإلهية، والخلق والإيجاد والتدبير والفعل: من صفة الربوبية، والجزاء بالثواب والعقاب والجنة والنار: من صفة الملك، وهو ملك يوم الدين.
فأمرهم بإلهيته، وأعانهم ووفقهم وهداهم وأضلهم بربوبيته، وأثابهم وعاقبهم بملكه وعدله. وكل هذه الأمور لا تنفك عن الأخرى.
وأما الرحمة فهي التعلق والسبب الذي بين الله وبين عباده، فالتأليه منهم له، والربوبية منه لهم، والرحمة سبب واصل بينه وبين عباده، بها أرسل إليهم رسله، وأنزل عليهم كتبه، وبها هداهم، وبها أسكنهم دار ثوابه، وبها رزقهم وعفاهم وأنعم عليهم. فبينهم وبينه سبب العبودية، وبينه وبينهم سبب الرحمة” .

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *