من فقه البيوع النوع الخامس من البيوع المحرمة: البيوع المحرمة لأجل الضرر أو الغبن النجش (تابع) ياسين رخصي

سبق في الحلقة الماضية أن أكثر أهل العلم على صحة البيع الذي حدث فيه النجش، لكنهم اختلفوا في ثبوت الخيار للمشتري على ثلاثة أقوال :
القول الأول: التفصيل -وهو للمالكية-:
أ- فإن كان البائع يعلم بالنجش فإن المشتري بالخيار؛ إن شاء ردّ السلعة وإن شاء أمسكها.
ب- وإن كان البائع لا يعلم بالنجش فلا خيار للمشتري.
دليل هذا القول:
استدلّ المالكية على ثبوت الخيار للمشتري إن كان البائع يعلم بالنجش: بالقياس على بيع المعيب، بجامع أن في كلا البيعين إضرارا بالمشتري من قبل البائع.
وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: “لا تصرّوا الإبل والغنم فمن ابتاعها بعد ذلك فهو بخير النظرين بعد أن يحلبها إن رضيها أمسكها، وإن سخطها ردها وصاعا من تمر “.
– ودليلهم على عدم ثبوت الخيار للمشتري إن كان البائع لا يعلم بالنجش؛ أن البائع لم يتسبب في وقوع النجش، والمشتري يعد مفرطا لعدم تحريه.

القول الثاني:
يُثبت الخيار للمشتري مطلقا سواء أكان النجش بمواطأة من البائع أم لا، ولكن بشرط أن يكون في البيع غبن لم تجر العادة بمثله، وإلا فلا خيار، وهذا هو المذهب عند الحنابلة.
دليل هذا القول:
استدل أصحاب هذا القول بالقياس على نهي النبي صلى الله عليه وسلم عن تلقي الركبان، ففي صحيح مسلم عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: “لا تلقّوا الجلب فمن تلقاه فاشترى منه فإذا أتى سيده السوق فهو بالخيار”، فأثبت لصاحب السلعة الخيار إذا وصل إلى السوق بين إمضاء البيع أو فسخه، والجامع بين هذه الحال وبين من وقع له النجش هو وجود التغرير.
– ودليلهم على اشتراط أن يكون في البيع غبن لم تجر العادة بمثله: أن ما يتغابن بمثله يتسامح الناس فيه عادة، لأنه يسير، فلم يصلح أن يكون سببا في إثبات الخيار.
مناقشة هذا الدليل
نوقش هذا الدليل بأن القول بأن ما يتغابن بمثله لا يثبت الخيار في مثل هذه الحال غير مسلم، فما دام أنه قد ثبت تواطؤ البائع في النجش فهذا غش، والغش مظنة عدم الرضا، ولو كان في شيء يسير، لأن البيع لا يصح إلا عن رضا المتبايعين، كما قال صلى الله عليه وسلم: “إنما البيع عن تراض” .

القول الثالث:
لا يثبت الخيار للمشتري مطلقا، سواء أكان النجش بمواطأة من البائع أم لا، وهذا قول الشافعية.
أدلة هذا القول:
استدل الشافعية على عدم ثبوت الخيار للمشتري مطلقا بما يلي:
أ- أما إن كان النجش بغير مواطأة من البائع، فليس ههنا من جهة البائع تدليس أصلا، فلا وجه لإثبات الخيار للمشتري.
ب- وأما إن كان النجش بمواطأة من البائع، فإن المشتري مفرط حيث لم يتأمل ولم يراجع أهل الخبرة فلا خيار له.
مناقشة هذا الدليل:
نوقش الدليل القائم على أن المشتري مفرط من وجهين:
الوجه الأول: عدم التسليم بتفريط المشتري، وذلك أنه ليس كل الناس يحصل على أهل الخبرة الذين يفيدونهم في كل ما يباع في السوق من سلع مختلفة.
الوجه الثاني: أنه على فرض التسليم بتفريط المشتري، فإنه لا يمنع من إثبات الخيار له، وذلك بسبب الغش الذي وقع له من جراء مواطأة البائع في النجش.
الترجيح:
والذي يترجح من الأقوال السابقة هو القول الأول -قول المالكية- وهو ثبوت الخيار للمشتري إن كان النجش بمواطأة من البائع، وذلك لوقوع التدليس منه، فهو كالتصرية، وأما إن لم تكن منه مواطأة فليس هناك سبب صحيح لإثبات الخيار للمشتري، ومراعاة حاله (أي المشتري) دون حال البائع الذي لم تكن منه مواطأة فيه ترك العدل.
للبحث بقية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *