التَّوحِيدُ الخَالِصُ: (24) توحـيد الأسماء والصفات نور الدين درواش

هو الإيمان بما وصف الله به نفسه في كتابه ووصفه به رسوله صلى الله عليه وسلم في سنته من الأسماء الحسنى والصفات العلى، وإمرارها كما جاءت من غير تحريف ولا تأويل، ومن غير تكييف ولا تمثيل.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية في عقيدته الواسطية: “ومن الإيمان بالله الإيمان بما وصف به نفسه في كتابه، وبما وصفه به رسوله من غير تحريف ولا تعطيل ومن غير تكييف ولا تمثيل”.
وعرفه العلامة عبد الرحمن بن ناصر السعدي بقوله :”هو اعتقاد انفراد الرب- جل جلاله- بالكمال المطلق من جميع الوجوه بنعوت العظمة، والجلال والجمال التي لا يشاركه فيها مشارك بوجه من الوجوه، وذلك بإثبات ما أثبته الله لنفسه، أو أثبته له رسوله صلى الله عليه وسلم من جميع الأسماء والصفات ومعانيها وأحكامها الواردة في الكتاب والسنة على الوجه اللائق بعظمته وجلاله من غير نفي لشيء منها ولا تعطيل ولا تحريف ولا تمثيل.
ونفي ما نفاه عن نفسه أو نفاه عنه رسوله صلى الله عليه وسلم من النقائص والعيوب، وعن كل ما ينافي كماله”(1).
وهذا النوع من التوحيد ينبني على أصلين:
أولها: تنزيه الله تعالى عن مشابه المخلوقين وصفاتهم، كما قال تعالى: (لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ) [الشورى:11] .
والثاني: الإيمان بما وصف الله به نفسه، أو وصفه به رسوله صلى الله عليه وسلم، على الوجه اللائق بكماله سبحانه وجلاله، كما قال بعد: (لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ) مع قطع الطمع عن إدراك كيفية الاتصاف، قال تعالى: (يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَلَا يُحِيطُونَ بِهِ عِلْمًا) [طه:110].. (2).
أهمية توحيد الأسماء والصفات
للعلم بتوحيد الأسماء والصفات والإيمان به أهمية عظيمة، ومما يدل على أهميته ما يلي:
1- أن الإيمان به داخل في الإيمان بالله -عز وجل- إذ لا يستقيم الإيمان بالله حتى يؤمن العبد بأسماء الله وصفاته.
قال ابن القيم: “من أراد علو بنيانه فعليه بتوثيق أساسه وإحكامه وشدة الاعتناء به، فإن عُلُوَّ البنيان على قدر توثيق الأساس وإحكامه فالأعمال والدرجات بنيان وأساسها الإيمان ومتى كان الأساس وثيقا حمل البنيان واعتلى عليه وإذا تهدم شيء من البنيان سهل تداركه؛ وإذا كان الأساس غير وثيق لم يرتفع البنيان ولم يثبت وإذا تهدم شيء من الأساس سقط البنيان أو كاد؛ فالعارف همته تصحيح الأساس وإحكامه؛ والجاهل يرفع في البناء عن غير أساس فلا يلبث بنيانه أن يسقط. قال تعالى: {أَفَمَنْ أَسَّسَ بُنْيَانَهُ عَلَى تَقْوَى مِنَ اللّهِ وَرِضْوَانٍ خَيْرٌ أَم مَّنْ أَسَّسَ بُنْيَانَهُ عَلَىَ شَفَا جُرُفٍ هَارٍ فَانْهَارَ بِهِ فِي نَارِ جَهَنَّمَ} فالأساس لبناء الأعمال كالقوة لبدن الإنسان فإذا كانت القوة قوية حملت البدن ودفعت عنه كثيرا من الآفات وإذا كانت القوة ضعيفة ضعف حملها للبدن وكانت الآفات إليه أسرع شيء.
فاحمل بنيانك على قوة أساس الإيمان فإذا تشعث شيء من أعالي البناء وسطحه كان تداركه أسهل عليك من خراب الأساس، وهذا الأساس أمران: صحة المعرفة بالله وأمره وأسمائه وصفاته، والثاني تجريد الانقياد له ولرسوله دون ما سواه، فهذا أوثق أساس أسس العبد عليه بنيانه وبحسبه يعتلى البناء ما شاء”(3).
2- أن أعظم آية في القرآن هي آية الكرسي أن سورة الإخلاص تعدل ثلث القرآن، وما ذلك إلا لاشتمالهما على هذا النوع من أنواع التوحيد.
قال شيخ الإسلام: “والقرآن فيه من ذكر أسماء الله وصفاته وأفعاله أكثر مما فيه من ذكر الأكل والشرب والنكاح في الجنة، والآيات المتضمنة لذكر أسماء الله وصفاته أعظم قدرا من آيات المعاد، فأعظم آية في القرآن آية الكرسي المتضمنة لذلك..” (4).
يُتبع إن شاء الله
——————————
(1 ) – القول السديد ص:14
(2 ) – أنظر أضواء البيان(3/488 وما بعدها) والجديد في كتاب التوحيد للقرعاوي (ص:17)
(3 ) – الفوائد (ص:155-156)
(4 ) – درء تعارض العقل والنقل(6/131)

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *