هذا الحديث على شهرته لم يثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم، فقد رواه البيهقي في السنن الكبرى 3/19 وفي شعب الإيمان 3/402 من طريق أبي صالح عن الليث عن ابن عجلان عن مولى لعمر بن عبد العزيز عن عبد الله بن عمرو بن العاص مرفوعا بلفظ: “إن هذا الدين متين فأوغل فيه برفق، ولا تبغض إلى نفسك عبادة ربك فإن المنبت لا سفرا قطع ولا ظهرا أبقى، فاعمل عمل امرئ يظن أن لن يموت أبدا، واحذر حذرا تخشى أن تموت غدا”.
قال الشيخ الألباني في الضعيفة 1/64 بعد ذكر هذا الحديث بسنده: “وهذا سند ضعيف، وله علتان: جهالة مولى عمر بن عبد العزيز، وضعف أبي صالح وهو عبد الله بن صالح كاتب الليث”.
وأخرجه عبد الله ابن المبارك في الزهد (ح1334) قال: أخبرنا محمد بن عجلان أن عبد الله بن عمرو بن العاص قال: فذكره بنحوه موقوفا. وإسناده منقطع بين ابن عجلان -وهو مدني صدوق- وعبد الله بن عمرو.
وقد تابع ابنَ عجلان عبيدُ الله بن العيزار -وهو ثقة- عن عبد الله بن عمرو بن العاص أخرجه ابن قتيبة في غريب الحديث1/286 قال: حدثني السجستاني (هو أبو حاتم سهل بن محمد: صدوق) حدثنا الأصمعي (عبد الملك بن قريب: صدوق) عن حماد بن سلمة (ثقة عابد) عن عبيد الله بن العيزار عن عبد الله بن عمرو أنه قال: فذكره موقوفا عليه بلفظ: “احرث لدنياك كأنك تعيش أبدا، واعمل لآخرتك كأنك تموت غدا”.
وهو منقطع أيضا بين عبيد الله بن العيزار وعبد الله بن عمرو، ويؤكد انقطاعه أن الحارث بن أبي أسامة أخرجه في مسنده كما في بغية الباحث (1093) من طريق عبيد الله بن العيزار قال: لقيت شيخا بالرمل من الأعراب كبيرا، فقلت له: لقيت أحدا من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قال: نعم، فقلت: من؟ فقال: عبد الله بن عمرو بن العاص، فقلت له: فما سمعته يقول؟ قال: سمعته يقول: “احرز لدنياك كأنك تعيش أبدا، واعمل لآخرتك كأنك تموت غدا”.
فالحديث موقوف على عبد الله بن عمرو، ولا يصح رفعه إلى النبي صلى الله عليه وسلم، وهو حسن بمجموع الطريقين عن عبد الله بن عمرو، وأصح ألفاظه لفظ: “احرث لدنياك كأنك تعيش أبدا، واعمل لآخرتك كأنك تموت غدا”.
ويشهد لقول عبد الله بن عمرو: “احرث لدنياك كأنك تعيش أبدا” أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يدَّخر لأهله قوت سنة مما أفاء الله عليه من أموال بني النضير، فعن عمر رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يبيع نخل بني النضير، ويحبس لأهله قوت سنتهم (أخرجه البخاري).
ويشهد لقوله: “واعمل لآخرتك كأنك تموت غدا”، قول النبي صلى الله عليه وسلم لابن عمر رضي الله عنه: “(كن في الدنيا كأنك غريب أو عابر سبيل). وكان ابن عمر يقول: إذا أمسيت فلا تنتظر الصباح، وإذا أصبحت فلا تنتظر المساء، وخذ من صحتك لمرضك ومن حياتك لموتك. (أخرجه البخاري).
وفي معنى الحديث قوله تعالى: وَابْتَغِ فِيمَا آتَاكَ اللَّهُ الدَّارَ الْآخِرَةَ وَلَا تَنسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا القصص77، فالعاقل يعمل لدنياه ما يَكُف به وجهه عن سؤال الناس، وما يستعين به على طاعة ربه عز وجل، كما يتزود لآخرته بالأعمال الصالحة التي يرجو ثوابها عند ربه عز وجل، فإن بقي في الدنيا عاش عزيزا كريما، وإن لقي ربه كان عنده أَعَزَّ وأكرم. والمغفَّل من أقبل على دنياه يعمرها بخراب آخرته، فيعيش في هذه الدنيا عبدا ذليلا للدينار والدرهم، وإذا توفاه رَبُّه كان عنده أذَلَّ وأحقَر. ولقد أخلص مؤمنُ آل فرعون لقومِه النصحَ، فكان مما قال لهم: يَا قَوْمِ إِنَّمَا هَذِهِ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا مَتَاعٌ وَإِنَّ الْآخِرَةَ هِيَ دَارُ الْقَرَارِ (غافر39)، وختم نصيحته بقوله: فَسَتَذْكُرُونَ مَا أَقُولُ لَكُمْ وَأُفَوِّضُ أَمْرِي إِلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ (غافر44).