لا إله إلا الله مفتاح دخول الجنة ولكن..؟

جعل الله تعالى كلمة التوحيد عنوان الدخول في الإسلام، وثمن الجنة ومفتاحها، كما جعلها سبب النجاة من النار ومغفرة الذنوب.

وتواردت الأحاديث عن النبي صلى الله عليه وسلم في هذا المعنى، فعن عبادة بن الصامت رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: “من شهد أن لا إله إلا الله وأن محمدًا رسول الله، وأن عيسى عبد الله ورسوله، وكلمته ألقاها إلى مريم، وروح منه، وأن الجنة حق والنار حق، أدخله الله الجنة على ما كان من العمل” (البخاري ومسلم)، وفي رواية: “أدخله الله الجنة من أي أبواب الجنة الثمانية شاء”.
غير أن لكل باب مفتاح، ولكل مفتاح أسنان، فمن أتى بمفتاح له أسنان فتح له، ومن أتى بمفتاح ليس له أسنان لم يفتح له، لذا يجب علينا أن نعلم شروط هذه الكلمة الطيبة الزكية.
شروط كلمة التوحيد (لا إله إلا الله)
1- العلم المنافي للجهل: في النفي والإثبات، فهي تنفي الألوهية عن غير الله تعالى وتثبتها له سبحانه، فلا معبود بحق إلا الله، قال تعالى: “فَاعْلَمْ أَنَّهُ لا إلَهَ إلاَّ اللَّهُ واسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ” (محمد)، وقال تعالى: “إلاَّ مَن شَهِدَ بِالْحَقِّ وهُمْ يَعْلَمُونَ” (الزخرف).
وأخرج مسلم عن عثمان رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “من مات وهو يعلم أنه لا إله إلا الله دخل الجنة”. ويكتمل هذا الشرط بما يليه، وهو:
2- اليقين المنافي للشك: ومعنى ذلك أن تستيقن يقينًا جازمًا بمدلول كلمة التوحيد، لأنها لا تقبل شكًا ولا ظنًا، ولا ترددًا ولا ارتيابًا، بل ينبغي أن تقوم على اليقين القاطع الجازم، فقد قال الله تعالى في وصف المؤمنين الصادقين: “إنَّمَا المُؤْمِنُونَ الَذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ ورَسُولِهِ ثُمَّ لَمْ يَرْتَابُوا وجَاهَدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وأَنفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أُوْلَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ” (الحجرات).
فلا يكفي مجرد التلفظ بالشهادتين، بل لابد من استيقان القلب والبعد عن الشك، فإن لم يحصل هذا اليقين فهو النفاق، والمنافقون هم الذين ارتابت قلوبهم، قال الله تعالى: “إنَّمَا يَسْتَئْذِنُكَ الَذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ والْيَوْمِ الآخِرِ وارْتَابَتْ قُلُوبُهُمْ فَهُمْ فِي رَيْبِهِمْ يَتَرَدَّدُونَ” (التوبة).
وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “أشهد أن لا إله إلا الله وأني رسول الله، لا يلقى الله عبد غير شاك فيحجب عن الجنة”، وفي رواية له أيضاً: “إلا دخل الجنة” (مسلم).
3- القبول لما اقتضته هذه الكلمة: فإذا علمت وتيقنت، فينبغي أن يكون لهذا العلم اليقيني أثره، ليتحقق الشرط الثالث وهو: القبول لما اقتضته هذه الكلمة، بالقلب واللسان: فمن رد دعوة التوحيد رد الإسلام أصلا، سواء كان ذلك الرد بسبب الكبر أو العناد أو الحسد، وقد قال الله سبحانه وتعالى عن الكفار الذين ردوها استكبارًا “إنَّهُمْ كَانُوا إذَا قِيلَ لَهُمْ لا إلَهَ إلاَّ اللَّهُ يَسْتَكْبِرُونَ، ويَقُولُونَ أَئِنَّا لَتَارِكُوا آلِهَتِنَا لِشَاعِرٍ مَّجْنُونٍ” (الصافات).
أما المؤمنون الذين قبلوا هذه الكلمة وعملوا بمقتضاها فلهم النجاة عند الله تعالى، وعدًا منه لا يخلف الله وعده: “ثُمَّ نُنَجِّي رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا كَذَلِكَ حَقاًّ عَلَيْنَا نُنْجِ المُؤْمِنِينَ” (يونس).
4- الانقياد للتوحيد الذي دلت عليه هذه الكلمة العظيمة، انقيادًا تامًا، وهذا الانقياد والخضوع هو المحك الحقيقي للإيمان وهو المظهر العملي له.
ويتحقق هذا ويحصل بالعمل بما شرعه الله تعالى، وبترك ما نهى عنه، وذلك هو الإسلام حقيقة، إذ هو: أن يسلم العبد ويستسلم بقلبه وجوارحه لله تعالى، وينقاد له بالتوحيد والطاعة، كما قال سبحانه: “ومَن يُسْلِمْ وجْهَهُ إلَى اللَّهِ وهُوَ مُحْسِنٌ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الوُثْقَى” (لقمان).
وأقسم سبحانه وتعالى بنفسه أنه لا يؤمن المرء حتى ينقاد لحكم الله وحكم رسوله: “فَلا ورَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجاً مِّمَّا قَضَيْتَ ويُسَلِّمُوا تَسْلِيماً” (النساء).
5- الصدق في قول كلمة التوحيد، صدقاً منافيًا للكذب والنفاق، حيث يجب أن يواطئ القلب اللسان ويوافقه، فإن المنافقين يقولونها بألسنتهم، ولكن لم يطابق هذا القول ما في قلوبهم، فصار قولهم كذبًا ونفاقًا مخالفًا للإيمان، ونزلوا في الدرك الأسفل من النار: “يَقُولُونَ بِأَلْسِنَتِهِم مَّا لَيْسَ فِي قُلُوبِهِمْ” (الفتح)، “وَمِنَ النَّاسِ مَن يَقُولُ آمَنَّا بِاللَّهِ وَبِالْيَوْمِ الآخِرِ وَمَا هُم بِمُؤْمِنِينَ، يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَمَا يَخْدَعُونَ إِلاَّ أَنفُسَهُمْ وَمَا يَشْعُرُونَ، فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ فَزَادَهُمُ اللَّهُ مَرَضاً وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ بِمَا كَانُوا يَكْذِبُونَ” (البقرة)، في آيات كثيرة وسور بمجملها في القرآن الكريم تتحدث عنهم.
وفي الصحيحين: “ما من أحد يشهد أن لا إله إلا الله.. صدقًا من قلبه إلا حرمه الله على النار”، فاشترط الصدق من القلب، كما اشترطه في قوله لضمام بن ثعلبة: “إن صدق ليدخلن الجنة” (البخاري ومسلم).
6- المحبـة: فيحب المؤمن هذه الكلمة، ويحب العمل بمقتضاها ويحب أهلها العاملين بها، وإلا لم يتحقق الإيمان ولم تكتب له النجاة، ومن أحب شيئًا من دون الله فقد جعله لله ندًا: “ومِنَ النَّاسِ مَن يَتَّخِذُ مِن دُونِ اللَّهِ أَندَاداً يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللَّهِ والَّذِينَ آمَنُوا أَشَدُّ حُباً لِّلَّهِ” (البقرة). وعلامة حب العبد ربه تقديم محابه وإن خالفت هواه، وموالاة من والى الله ورسوله، ومعاداة من عادى الله ورسوله، واتباع الرسول صلى الله عليه وسلم واقتفاء أثره وقبول هداه، وهذه كلها شروط في المحبة لا تتحقق إلا بها، وهى مؤشر على حب الله للعبد بعد ذلك.
7- الإخلاص، ومعناه: صدق التوجه إلى الله تعالى وتصفية العمل بصالح النية من كل شائبة من شوائب الشرك وألوانه، قال الله تعالى: “ومَا أُمِرُوا إلاَّ لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ ويُقِيمُوا الصَّلاةَ ويُؤْتُوا الزَّكَاةَ وذَلِكَ دِينُ القَيِّمَةِ” (البينة)، وقال تعالى: “فَاعْبُدِ اللَّهَ مُخْلِصاً لَّهُ الدِّينَ” (الزمر).
وفي حديث عتبان بن مالك عن النبي صلى الله عليه وسلم: “إن الله حرم على النار من قال: لا إله إلا الله، يبتغي بذلك وجه الله عز وجل” (متفق عليه).
والآيات والأحاديث في الإخلاص كثيرة جدًا، فهو سبب القبول عند الله عز وجل، فلا يقبل الله تعالى من العمل إلا ما كان خالصًا لوجهه وموافقًا لشرعه.
ومع هذه الشروط مجتمعة، لابد من الإقامة على هذه الكلمة، ليختم للعبد بها ختامًا حسنًا، فإنما الأعمال بالخواتيم، ففي حديث مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: “إن الرجل ليعمل الزمان الطويل بعمل أهل الجنة، ثم يختم له عمله بعمل أهل النار، وإن الرجل ليعمل الزمان الطويل بعمل أهل النار، ثم يختم له عمله بعمل أهل الجنة”.
وقد أمر الله تعالى بالإقامة على الإسلام والتوحيد: “يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ” (آل عمران).
فليحرص المسلم على كلمة التوحيد بشروطها تلك، وليحذر من كل ما ينافيها، ومتى استقرت هذه الكلمة في النفس والقلب فإنه لا يعدلها شيء، ولا يفضل عليها، فإن حبها يملأ القلب فلا يتسع لغيرها، وعندئذ يجد العبد حلاوة الإيمان.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *