اتباع رسول الله صلى الله عليه وسلم وتعظيم قدره والذب عن سنته فرض رب العالمين، وأحد أصول الدين، وركيزة من ركائز عقيدتنا، ومنارة من منارات شريعتنا، ولكم أفرحنا هبوب المسلمين للذب عن نبيهم الأمين يوم تجرأ بعض الكفرة على مقام النبوة، لكن هذا الفرح ينغصه علينا علمنا أن كثيرا من المسلمين لا يعظمون قدر نبيهم حق التعظيم، فقد فرطوا في امتثال أوامره، وما انتهوا عن زواجره، فأين ما أمرنا الله به من طاعة نبينا وتعظيم سنته بتعلمها ونشرها وتربية أجيال المسلمين عليها؟ وأين هو بعدنا عن البدع والمحدثات إقرارا بكمال الدين والتزاما بهدي سبل المرسلين؟
فالواجب إذن الحرص على الاتباع والحذر من العوائق التي تمنع العبد من سلوك طريقه واتباع محجته، ونذكر هنا أبرز هذه العوائق قصد معرفتها واجتنابها.
أولا: الجهل
الجهل من أعظم عوائق الاتباع بل إنه من أعظم أسباب الوقوع في المحرمات من الكفر والبدع والمعاصي، والجهل المقصود هنا لا يتعلق فقط بعدم معرفة النصوص من الكتاب والسنة بل له صور متعددة منها الجهل بدلالات الألفاظ، والجهل بمقاصد الشريعة وقواعد العلم وأصوله وغير ذلك، ولخطورة الجهل وردت الآيات والأحاديث الصحيحة بالتحذير منه ومن ذلك قول الله تعالى: “قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالإِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَأَن تُشْرِكُواْ بِاللّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَاناً وَأَن تَقُولُواْ عَلَى اللّهِ مَا لاَ تَعْلَمُونَ”، وقال النبي صلى الله عليه وسلم: “..حتى إذا لم يبق عالما اتخذ الناس رؤوسا جُهَّالا، فسئلوا فأفتوا بغير علم، فضلوا وأضلوا” (البخاري)، وقال عبد الله بن مسعود رضي الله عنه: “أغدُ عالما أو متعلما أو مستمعا ولا تكن الرابع فتهلك” (صحيح سنن أبي داود).
الثاني: إتباع الهوى
كل البدع والمعاصي إنما تنشأ من تقديم الهوى على النصوص الشرعية(1)، لذا وردت الأدلة بالتحذير منه، كقوله تعالى: “فَإِن لَّمْ يَسْتَجِيبُوا لَكَ فَاعْلَمْ أَنَّمَا يَتَّبِعُونَ أَهْوَاءهُمْ”، وقوله تعالى: “أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ”، وقول النبي صلى الله عليه وسلم: “وإنه سيخرج من أمتي أقوام تتجارى بهم تلك الأهواء”.
الثالث: تقديم رأي الشيوخ والأكابر على النصوص
تقديم رأي الشيوخ والأكابر على النصوص الشرعية قاعدة من قواعد الباطل التي جوبه بها الرسل والأنبياء ومن بعدهم العلماء الذين يدعون إلى الكتاب والسنة وفق منهج سلف الأمة، قال تعالى: “وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْاْ إِلَى مَا أَنزَلَ اللّهُ وَإِلَى الرَّسُولِ قَالُواْ حَسْبُنَا مَا وَجَدْنَا عَلَيْهِ آبَاءنَا أَوَلَوْ كَانَ آبَاؤُهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ شَيْئاً وَلاَ يَهْتَدُونَ”.
قال الشوكاني: “والمراد بالسادة والكبراء الرؤساء والقادة الذين كانوا يمتثلون أمرهم في الدنيا ويقتدون بهم، وفي هذا زجر عن التقليد شديد، وكم في الكتاب العزيز من التنبيه على هذا والتحذير منه والتنفير عنه، ولكن لمن يفهم معنى كلام الله ويقتدي به وينصف من نفسه لا لمن هو من جنس الأنعام في سوء الفهم ومزيد البلادة وشدة التعصب” (فتح القدير).
قال عمر بن عبد العزيز: “لا رأي لأحد مع سنة سنها رسول الله -صلى الله عليه وسلم-” (إعلام الموقعين)
هذه عوائق ثلاثة نذكرها لأن المقام لا يستع والله أعلى وأعلم.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1- كتقديم العقل على النقل وكالعمل بالأحاديث الضعيفة والموضوعة وغير ذلك.